تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الايام ، بمناسبة اليوم الوطني أو الذكرى (54) لعيد الاتحاد ، والذي يصادف الثاني من ديسمبر من كل عام، وتعد الامارات من الدول التي نشأت حديثاً ، حيث تأسست في الثاني من ديسمبر عام 1971م، وقبلها كانت تتألف من عدد من الامارات المستقلة وهي إمارة أبو ظبي ، دبي ، الشارقة ، عجمان ، رأس الخيمة ، أم القيوين ، وإمارة الفجيرة ، وما أن جاء عام 1971م حتى تمّ اتحاد هذه الامارات لتشكل دولة الامارات العربية المتحدة ، بقيادة أول رئيس لها وهو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان .
ومن العوامل المهمة التي ساهمت في بناء وتطور الامارات في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كان أولاً اكتشاف النفط حيث كان أول اكتشاف للنفط في إمارة أبوظبي عام 1958م ، وهذا الاكتشاف ساعد في تدفق الاستثمارات الأجنبية وتطوير البنية التحتية ، اضافة الى ذلك ساهمت الرؤية الحكيمة للشيخ زايد بن سلطان ال نهيان في توحيد الامارات والمضي قدماً في تطويرها وترسيخ استقراراها السياسي ، وهي خاصية تميزت بها منذ تأسيسها و حتى اليوم ، وقد ساعد أيضاً حتماً حجم الجذب الاستثماري الاجنبي الكبير فيها ، والذي ادى عملياً إلى تحسين وتشجيع النمو الاقتصادي ، وبالاخص مسألة جذب المتعلمين من الشباب العربي ومن عدة دول عربية الى سوق العمل الاماراتي ، خصوصاً في وقت شهدت فيه عدة بلدان عربية تقلبات وحروب وثورات ، الامر الذي دفعهم للانتقال نحو الامارات بسبب وجود الفرص في سوق العمل و إمكانية الاستثمار الآمن فيها أيضاً ، كذلك تتمتع دولة الامارات بميزة مهمة وهي وجود نظام ضرائب منخفض جاذب للاستثمار ، حيث يمكن للمستمثر فتح شركات ومؤسسات واقامة مشاريع دون الحاجة لدفع ضرائب ورسوم عالية ، علماً بأن الضرائب المرتفعة ما تزال عقبة أمام الاستثمارات في العديد من دول المنطقة للأسف .
وقد نجحت الامارات في التعاون والانفتاح الاقتصادي على عدة دول في المنطقة والعالم ، مما ساعد في تعزيز مكانة الامارات دولياً ، حيث حققت الامارات العديد من الانجازات الشاملة منذ تأسيسها ، واهمها ما جرى على الصعيد الاقتصادي ، حيث نجحت في تحويل اقتصادها من اعتماده على النفط والغاز فقط ، الى الاقتصاد المتنوع المصادر والموارد والذي يعتمد على الخدمات والصناعات المتنوعة المتعددة ، وابرزها كان النجاح الواضح في قطاع السياحة ، و الامارات أيضاً تتميز بتوفيرها للرعاية الصحية المتقدمة والمتميزة للمواطنين والمقيمين فيها ، اضافة الى انشاء مرافق طبية علاجية حديثة و متطورة ، وتنتشر فيها المستشفيات عالية المستوى والمواصفات ، وتسعى الامارات الى تحقيق التنمية المستدامة والاتجاه نحو الحفاظ على البيئة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة ، حيث أطلقت الامارات مشروع مسبار الأمل الى كوكب المريخ في عام 2020م وكان من المقرر وصوله للمريخ بحدود عام 2021م تزامناً مع الذكرى (50) لليوم الوطني وذكرى الاتحاد ، لتصبح بذلك الامارات هي أول دولة عربية ترسل مهمة فضائية الى الكوكب الأحمر .
وفي مجال الطاقة النووية السلمية ، فالامارات بدأت تشغيل عدة محطات تعتمد في وقودها على الطاقة النووية لغايات توليد الكهرباء ، و في مجال التكنولوجيا أيضاً أطلقت الامارات استراتيجية بارزة للذكاء الاصطناعي في عام 2017م وتعد الاول من نوعها في العالم ، وفيما يخص مجال العمل الانساني بلغت مساعداتها لمناطق متعددة في العالم حوالي اكثر من 360 مليار درهم اماراتي منذ تأسيسها عام 1971م ، ليعكس ذلك حجم دورها الانساني العالمي ، وقد حققت الامارات تطوراً كبيراً في مجال النظام التعليمي ، اذ جرى انشاء جامعات حكومية وعالمية تقدم خدمات التعليم على مستوى رفيع وعالي ، كذلك اصبحت الامارت مميزة في قطاع السياحة ، اذ تستقطب الكثير من السياح عالمياً ، وتستضيف الفعاليات والانشطة والمؤتمرات الدولية الكبيرة ، ويتواجد في الامارات عدة فنادق ذات التصنيف العالمي ( خمس نجوم فأكثر ) ، مثل فندق برج العرب وغيره من سلسلة الفنادق العالمية ، وتتسم هذه الفنادق بانها قمة في الفخامة والرقي والمستوى العالي من الخدمة والراحة .
وتوجد لدولة الامارات استثمارات كثيرة في الخارج ، ومنها ما هو مقام في المملكة الاردنية الهاشمية ، حيث يبلغ حجم الاستثمارات الاماراتية في الاردن حوالي 22,5 مليار دولار ، وتعد الامارات اكبر مستثمر أجنبي في الاردن وفي قطاعات ومجالات اقتصادية متنوعة ، منها في قطاع الطاقة والبنية التحتية والصناعة والسياحة ، وأبرز هذه المشاريع مشروع السكك الحديدية بحجم استثمار يبلغ حوالي 2,3 مليار دولار ، بما في ذلك سكك تربط ميناء العقبة بمناطق التعدين في الشيدية والغور الصافي ، وفي مدينة العقبة هناك مشروع مرسى زايد ، والذي يهدف الى تطوير القطاع السياحي الاردني واستقطاب المستثمرين الى هذا القطاع الحيوي من مختلف دول العالم ، الى جانب كونه من اهم المشاريع العقارية على شواطىء البحر الأحمر ، وهي منطقة ساحلية تبلغ مساحتها حوالي 3,2 مليون متر مربع ، تضم مرسى لليخوت والفنادق والوحدات السكنية والمجمعات التجارية والمناطق الترفيهية ، كما يتوقع أن يستقطب المشروع استثمارات تصل قيمتها 10 مليارات دولار امريكي ، وسيتم تنفيذه على عدة مراحل ، والأهم ان المشروع سوف يوفر فرص عمل كبيرة للمواطنين الاردنيين ، وسيعزز الاقتصاد المحلي الوطني الاردني وبشكل يرفد الموازنة العامة للدولة ، كذلك فانه سيساهم في تطوير البنية التحتية لمدينة العقبة بما في ذلك ميناء ومطار العقبة .
وفيما يتعلق بميناء العقبة فهناك مجموعة أبو ظبي للمرافىء AD Ports Group ، أي الشركة الرائدة في مجال التجارة واللوجستيات والصناعة ، حيث تمّ توقيع اتفاقية مع مؤسسة تطوير العقبة Aqaba Development Corporation ، تتضمن تطوير وتشغيل ميناء العقبة وتحسين كفاءة العمليات الجارية بالميناء ، وتضمن تعزيز التجارة واللوجستيات في المنطقة .
والملفت على صعيد التطور الاقتصادي في الامارات هو ان الامارات نجحت اضافة للاستثمارات الداخلية في مجال الاستثمارات الخارجية ايضاً ، ومنها في الدول العربية كما هو الحال في مصر وفي عدة قطاعات فيها مثل البنية التحتية والسياحة والصحة والزراعة ، وفي دولة البحرين حيث تستثمر الامارات في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والسياحة ، وكذلك هو الحال بالنسبة لاستثماراتها في دول السعودية والمغرب ، وهذه الاستثمارات في البلدان العربية تساهم في تنمية وتطوير هذه البلدان وأهمها توفير مشاريع مهمة لتشغيل قطاع وفئة الشباب وتعمل على خفض مستويات البطالة في هذه الدول ، وتشمل الاستثمارات الاماراتية أيضاً مشاريع في دولة لبنان وبحجم يبلغ حوالي مليار دولار ، تشمل قطاعات مختلفة منها السياحة والبنية التحتية والخدمات المصرفية والمالية ، مثل مجموعة الحبتور ، والتي استثمرت في فندق هيلتون ومول تجاري ومنطقة ترفيهية تعرف باسم ( حبتور لاند ) ، وايضاً في قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة في لبنان .
وفيما يتصل بالعلاقات الاردنية الاماراتية فهي تاريخية ومتطورة ، وتتسم بأنها وثيقة حيث أرسى دعائمها جلالة المغفور لهما الملك الحسين بن طلال وأخوه سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، واليوم يسير على نهجهما صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله، وهناك تنسيق وتعاون عالي المستوى بين البلدين الشقيقين ، وتجدر الاشارة الى انه في عام 2022م تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبد الله، جائزة زايد للاخوة الإنسانية لعام 2022، تقديراً لجهودهما في تعزيز الاخوة الإنسانية واحترام التنوع والتعايش السلمي.
وبمناسبة اليوم الوطني لدولة الامارات العربية المتحدة فإنني أتقدم من القيادة والشعب الاماراتي بالتهنئة وأتمنى المزيد من التطور والتنمية والتقدم لهذا البلد الشقيق .