في مشهد صادم لا يمكن السكوت عنه، تتكشف اليوم واحدة من أخطر صور التغوّل على حقوق المجتمعات المحلية، بعد إقدام أمانة عمّان على بيع أراضٍ خُصصت للمنفعة العامة في منطقة بدر الجديدة، أراضٍ لم تكن يومًا ملكًا لمؤسسة أو جهة، بل كانت تبرعًا خالصًا من أهالي المنطقة منذ زمن المجالس القروية، أي قبل ضم المنطقة للأمانة.
هذه الأراضي لم تُمنح عبثًا، ولم تُسجَّل عبثًا، بل خُصصت لتكون متنفسًا للخدمة العامة:
مدارس، مراكز صحية، قاعات متعددة الأغراض، ومشاريع تنموية تخدم الناس لا الجيوب.
لكن ما يجري اليوم هو تفريغٌ ممنهج للمنفعة العامة، وبيعٌ صريح لحق المجتمع، وكأن مستقبل المنطقة تفصيلٌ ثانوي لا قيمة له.
إن خطورة هذا الفعل لا تكمن فقط في البيع بحد ذاته، بل في ما سيترتب عليه لاحقًا:
ضياع آخر المساحات العامة، حرمان الأجيال القادمة من أي بنية خدمية، وتعميق الفجوة بين المواطن ومؤسسات يفترض أنها وجدت لخدمته لا لمصادرته.
الأخطر من ذلك، أن هذه السياسات تُمارس في ظل غياب أي رؤية مستقبلية حقيقية للمنطقة، وفي وقت تعاني فيه منطقة بدر الجديدة من نقص واضح في الخدمات، مقابل رفع عوائد التنظيم، وفرض الرسوم، وتجاهل واقع السكان الأصليين الذين لم يجنوا من “التنظيم” سوى الأعباء.
إن الدفاع عن أراضي المنفعة العامة ليس مطلبًا محليًا ضيقًا، بل هو دفاع عن مفهوم الدولة العادلة، وعن حق المجتمع في التخطيط لمستقبله، ورفضٌ لأن تُدار شؤون الناس بعقلية الفئة القليلة التي ترى في الأرض سلعة لا أمانة.
وفي السياق تحركت لجنة خدمات منطقة بدر الجديدة التطوعية، ولقاؤها بالحاكم الإداري، كخطوة في الاتجاه الصحيح، ليكون بعدها التوجّه لرفع مظلمة إلى سيد البلاد هو تعبير صادق عن الثقة بعدالة القيادة، ووضعها بصورة ما يجري من تجاوزات تمس الصالح العام.
وإذ تؤكد اللجنة حقها في اللجوء إلى القضاء إن لزم الأمر، وإنها إذ تشدد أن هذا الحراك لا يستهدف الدولة، بل يحميها، ولا يعارض النظام، بل يصوّب المسار.
فالأوطان لا تُحمى بالصمت،
ولا تُصان المنفعة العامة ببيعها،
ولا يُبنى المستقبل حين يُسرق الحاضر.
سيبقى الأردن، كما كان دائمًا، عصيًّا على كل من يحاول العبث بأمنه أو بحقوق مجتمعه، وستبقى عيون الأحرار مفتوحة، وأصواتهم عالية، حتى تعود الأرض لأصحاب الحق… لا لأصحاب القرار المنفلت من المساءلة.
حفظ الله الأردن، وحمى قيادته الحكيمة، وأدام أمنه، وجعل القانون فوق الجميع.