الغاز المركزي في الأبنية الجديدة… ملف السلامة الغائب ومن يدفع الثمن؟ بقلم: النائب السابق أمجد المسلماني

 

مع كل موسم شتاء، تتكرر حوادث الاختناق المرتبطة بوسائل التدفئة، وتعود معها حملات التحذير والتوعية. وغالبًا ما ينحصر الخطاب الرسمي والإعلامي في وسيلة واحدة، وكأن الخطر محصور في أداة بعينها أو في سلوك فردي، بينما يتم تجاهل ملف أكثر حساسية وخطورة، وهو الغاز المركزي في الأبنية السكنية الجديدة.

شهد الأردن خلال السنوات الماضية حوادث مؤلمة فقدت فيها عائلات أرواحها، رحمهم الله، نتيجة تسربات في شبكات الغاز المركزي داخل شقق حديثة البناء. في معظم هذه الحالات، لم يكن السبب سوء استخدام من السكان، بل خللًا في التركيب أو غيابًا لاشتراطات السلامة الأساسية، ورغم ذلك بقي هذا الملف بعيدًا عن النقاش العام والمساءلة الجدية.

الغاز المركزي، من حيث المبدأ، نظام آمن واقتصادي إذا ما نُفّذ وفق المعايير الهندسية المعتمدة، لكن الخطر يبدأ عندما تُنفَّذ هذه الأنظمة بسرعة، وتُقدَّم الكلفة على السلامة، أو تُركّب دون إشراف فني صارم أو فحص مهني شامل قبل تسليم الشقق للمواطنين. في كثير من الأبنية الحديثة، لا يحصل المالك على تقرير فحص موثق لشبكة الغاز، ولا يُلزَم المطوّر أو المقاول بصيانة دورية، كما تغيب في بعض الحالات أنظمة كشف التسرب أو الإغلاق التلقائي، رغم أهميتها في منع الكوارث.

تحميل المواطن وحده مسؤولية هذه الحوادث يُعد تبسيطًا مخلًا بالواقع. فالمسؤولية هنا مشتركة بين عدة أطراف: المقاول المنفذ، والمطوّر العقاري، والجهة المشرفة هندسيًا، والجهات الرسمية التي تمنح التراخيص وشهادات الإشغال. وعندما تقع الفاجعة، لا يجوز أن يكون الضحية هو الحلقة الأضعف، ولا أن يُغلق الملف بالصمت أو التبرير، لأن حياة الإنسان لا تحتمل المجاملة أو التجاهل.

الخلل لا يقتصر على التنفيذ فقط، بل يمتد إلى الخطاب العام. فالتركيز الإعلامي والرسمي على وسيلة تدفئة واحدة، وتجاهل غيرها، يخلق وعيًا ناقصًا لدى المواطنين، ويمنح إحساسًا زائفًا بالأمان، خصوصًا لسكان الأبنية الجديدة الذين يعتقدون أن “الجديد آمن بالضرورة”، بينما الواقع يثبت أن غياب الرقابة أخطر من قِدم المباني.

السلامة العامة لا تُجزّأ، ولا تُدار بردود فعل موسمية بعد وقوع الكارثة، بل بسياسات وقائية شاملة تتعامل مع جميع مصادر الخطر بمعيار واحد، دون انتقائية أو ازدواجية. فالتوعية الحقيقية تبدأ بالاعتراف بالمشكلة كاملة، لا بجزء منها.

إذا كانت حماية الأرواح أولوية حقيقية، فإن المطلوب اليوم يتجاوز التحذيرات المؤقتة ليشمل: فحصًا إلزاميًا وموثقًا لشبكات الغاز المركزي قبل تسليم أي شقة، وفحوصات دورية بعد الإشغال، وإلزام الأبنية الجديدة بتركيب أنظمة كشف تسرب وإغلاق تلقائي، إلى جانب تحديد واضح للمسؤوليات القانونية في حال وقوع خلل أو وفاة، وشفافية إعلامية تناقش جميع الحالات دون استثناء.

في النهاية، القضية ليست في “صوبة” أو “غاز مركزي”، بل في منظومة سلامة تحتاج إلى مراجعة جادة ومساءلة حقيقية. فحين يتعلق الأمر بحياة الناس، لا يجوز أن يكون الصمت خيارًا، ولا الانتقائية سياسة