سقوط القيم وقيام الزيف.. الكتابة عبير النجار

 

لو كان رسولُنا ﷺ بيننا اليوم، لوقفنا بين يديه لا نشكو ضعف الأجساد، بل انكسار القيم، واضطراب الموازين، وتبدّل المعاني حتى غدت غريبة عن فطرتها، وكأنّ هذا الزمان لم يعد الزمان الذي نعرفه.

لقد انقلبت الأدوار، لا تكاملًا بل صدامًا، فحُمِّلت المرأة ما أثقل كاهلها، وتخلّى كثير من الرجال عن جوهر الرجولة، لا عن مظهرها. غابت الرجولة التي تعني الموقف، والمسؤولية، والحماية، وحلّ مكانها ادّعاءٌ أجوف. ولم تعد الأنوثة قوّةً رحيمة، بل عبئًا تُدفع إليه النساء دفعًا في معركة الحياة.

تقطّعت وشائج الجيرة، فلم يعد الجار للجار سندًا ولا أمانًا، وغابت الصداقة الصادقة، فقلّ الأوفياء وكثر المتلوّنون. ضاع الأمان، وصارت الطيبة ضعفًا، والوقاحة جرأة، وقِلّة الأدب تُزيَّن بلقب “قوّة الشخصية”، حتى غدا السيّئ محترمًا، وصار الفساد عامًا لا يُستنكر، بل يُبرَّر ويُتعايَش معه.

كبر الصغير بلا توقير، وغاب احترام الكبير، فانكسر ميزان الحكمة، وضاعت هيبة التجربة. أمّا التربية، فقد ضاعت ملامحها، وباتت كثيرٌ من الأمهات لا يُحسنّ التربية، فسلّمن أبناءهنّ للشارع، وللشاشات، وللرفقة السيّئة، فكبر الصغير بلا خُلُق، ولا احترام، ولا وازع، لأنّ القدوة غابت قبل أن تغيب النصيحة.

ولم تعد العائلة تجتمع إلا في مناسباتٍ عابرة، بعد أن كانت دفئًا يوميًّا، ومائدةً جامعة، وقلبًا واحدًا. ساد الفقر كثيرًا من البيوت، لا فقر المال وحده، بل فقر الطمأنينة والمودّة، فتباعدت الأرحام، ولم يعد الأخ يسأل عن أخته كما كان، ولا يطرق بابها شوقًا واطمئنانًا.

قلّ الدين في النفوس، لا في الكلمات، وغابت الصلاة عن حياة كثيرين، وكأنّ الصلة بالله صارت أمرًا ثانويًّا. وحين يضعف الإيمان تختلّ الأخلاق، وحين تغيب الصلاة يقسو القلب، ويُستباح الظلم، وتضيع القيم دون أن يشعر أصحابها بالخسارة.

أصبحنا غرباء في أوطاننا، غرباء في بيوتنا، غرباء حتى عن أنفسنا. نعيش زمنًا يُكافَأ فيه الزيف، ويُهمَّش فيه الصادق، زمنًا يحتاج إلى صحوة ضمير قبل أي إصلاح، وإلى عودة صادقة للأخلاق قبل القوانين.

لو كان رسولُنا ﷺ بيننا، لشكونا له زمنًا سقطت فيه القيم، وقام فيه الزيف، زمنًا لا يُنقذه ضجيج الشعارات، بل صدق الرجوع إلى الله، وإعادة كلّ معنى إلى مكانه، قبل أن نعتاد الغربة… فتصبح الوطن، والبيت، والروح، مجرّد أسماء بلا حياة.