موسيقى غربية صاخبة، وكرة قَدم بين البيوت والعَمَائر. أبطال العتمة يحوّلون شوارعنا الخلفية إلى مَلاعب وحَفلات طَرب بعد أنصاف الليالي، بعد أن يخلد الأهالي إلى النوم!
يبدو أن أصحاب الليل هؤلاء يَستسهلون إزعاج السكان الذين لا يُحرّكون ساكنًا اتّجاه هذا الصخب، فَ “الصاخِبون” وَ “المُنطربون” لا يأخذون بعين الاعتبار سوى ما يَسرهم ويعجبهم ويستحسن أذواقهم المُنحرفة، وكأنهم يفرضون علينا أن نُعرب لهم عن انجذابنا لِمَا يُعجبهم، وتصفيقنا لهم تَعظيمًا لمنجزاتهم هذه بعد أن نكون قد استيقظنا على صرخاتهم وقفزاتهم الجنونية المتواصلة.
في السابق، قبل ظهور جائحة كورونا، كنّا ننجذب بإعجاب بالغ وتقدير عميق للدوريات الشرطية الراجلة ليلًا، التي تأهّبت دومًا لفرض القانون والنظام في الشوارع ليلًا، ومعاقبة المخالفين. آنذاك، كان كل شيء هادئًا في الليل البهيم، فلم يكن من أحدٍ يتطاول على حقوق أحد، فالجميع أُدْرِكوا تمام الإدراك بأن المخُالفة والسجن هو مصير مَن يَنتهك حُرمة الشارع وحقوق الساكنين على جنباته. أما في هذه الأيام، فلم نَعُد نرى شرطة متجولة، ولا رجال أمن ولا غيرهم من سَدَنَة القانون، فاستفحلت ظاهرة تحويل الشوارع إلى مَلاعب على شاكلة ما يجري من صخبٍ في بعض دول الغرب، حيث “تنشط” هناك الشبيبة الفالتة مِن عِقالها في مجالات مؤذية كثيرة، ويبدو بأن جُزءًا من شبيبتنا نَسَخَ “بدقة” تلكم “التجربة” الغربجغرافية، واستقدمها إلى بلادنا!
السؤال المُلِح الذي يَطرح نفسه هنا: أين هم آباء وأمهات هؤلاء الشباب!؟ ألا يَستفسرون من أبنائهم ويَستوضحون أين يقضون ساعات ليلهم؟، ومع مَن يقضون أوقاتهم، ولماذا لا يَعودون قبل منتصف الليل إلى بيوتهم؟! فهل أن هؤلاء الأهل هم نسخ “طبق الأصل” عن أبنائهم، أو أن الأبناء هم على شاكلة آبائهم وأمهاتهم..! ولهذا نرى كل هذا التسيّب الذي يؤشر على حالة اجتماعية من الضروي مُعَالجتها قبل أن تستفحل اجتماعيًا وتتجذر كعادة قبيحة طبعًا.
ماذا تتعلم هذه الشبيبة من خلال الدوران الليلي بين الشوارع، واللعب على مساحاتها، وتعريض ذواتهم لمختلف المخاطر، التي منها تصدي البعض لهم والإضرار بهم؟
على الأغلب، سيستمر انتشار ظاهرة “الشبيبة الشوارعية” ومُمَارَسَاتها غير العقلانية، والتي منها أيضًا تعلّق الأطفال والمُراهِقين مِمَّن يَنتعِلون أحذية ذات دواليب، بأطراف السيارات السائرة على الطرقات بسرعات مختلفة. هذه المُمَارَسات الخطرة، وهذه الشبيبة التي تفتقد لروح المسؤولية قد تتعرض، وبعضها تتعرّض بالفعل، إلى حوادث قاتلة. غالبًا، يُمَارِس البعض هذه “الهوايات” الخطرة بدون وَعي، مِمَّا يُحتم على الدولة، وضمنها المسؤولون، ووزارة التربية والتعليم، تبصير الجيل بأخطار هذه المُمَارسَات، وانعكاساتها السلبية التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى موت مُحَقَّق.
استباحة الطرق والساحات الموجودة بين البيوت، وتحويلها إلى غير المَقاصد التي أقيمت من أجلها وفي سبيلها، إنما يُعرِّض المخالفين إلى عقوبات قد تكون شديدة في أحوال معينة، وهو ما ينعكس بمزيدٍ من الآلام الشديدة على آباء وأمّهات الشبيبة التي يُفضَل توجِيهها إلى مقاصد مفيدة إجتماعيًا وعلميًا، وسَدِّ الفراغ الذي تُعاني منه بذكاء، بغية اجتذابها لإنتاج معنوي ومادِي يَصب في صالحها هي ولأجل خير المجتمع بأسره.
…؛