يعج الفضاء العام الأردني بنزالات فيها ما فيها من جولات وصولات حول التهنئة بالأعياد، فينقسم الناس على من يرى وجوب النهي عن التهنئة لاعتبارات دينية، وقسم يتجاوز الأمر ليهنئ الأصدقاء والأحباء، وثالث يختار الحياد عن النقاش كله.
النقاشات هذه المرة -ومثل سائر الأمور مؤخرا- أخذت طابعا حادا وهجوميا، ما أوصلنا إلى حالات اعتقال ومحاكمة بناء على المحتويات المنشورة، وهذا ما أدخلنا مرة أخرى في جدلية الموازنة بين حرية التعبير والحفاظ على المجتمع دون شروخات وصدامات نحن في غنى عنها.
وللتبسيط والإيجاز فيمكنني الإدعاء أن هذه النقاشات في أغلب الأحيان لا تعدو عن كونها زوابع في فناجين، فالمجتمع على صعيده الحقيقي يتحرك بانسجام دون توترات، ولا ينشغل الناس في الشارع بمثل هذه النقاشات إلا قليلا، وإن انشغلوا فيها فلا ينتقل هذا إلى ما هو عليه في الفضاء الرقمي حيث تنصب المشانق ويكفر الناس بعضهم على كل شاردة وواردة، ولعل الوجه الأرق للأمر واقعيا يعود إلى الضوابط المفروضة اجتماعيا، وروح المودة والجيرة، خصوصا أن التجمعات المسيحية في الأردن تاريخية تتفاعل مع باقي المكونات بانسيابية، حتى أن الناس تجهل معتقدات بعضها، وهذا الأصل في العلاقات حيث تُبنى على التفاعل الودود لا الضغينة والتشاحن الفارغ.
الأمر الأهم الذي أود الإشارة إليه هو ما سببه توقيف عدد من المسيئين ومتجاوزي حدودهم، حيث تحول هؤلاء إلى حالات تنال تشهيرا سلبيا بها أو أيقونات عند كثيرين من مهوسي خطابهم المتزمت، فخرجت عملية العقوبة من إيقاع الردع إلى تأجيج النزاع، وهذا ما لا ينبغي لها.
الحل الأمثل من زاويتي لهذه المسألة ولغيرها من شبيهاتها هو فتح أبواب النقاش بأوسع ما أمكن، ومنازلة الخطاب بالخطاب، والحجة بالحجة، فلا يمكننا محاربة الكلمة بالسيف، ولا الأيدولوجيا كيفما كانت، وخصوصا ولها بيئة خصبة في العقل العربي.
من يريد منازلة التكفير والتخوين وتأليب المجتمع فعليه بتعزيز الحركة الأدبية والفنية والفلسفية والثقافية، ومن يريد دحر أجندة الفتنة فلا حل له إلا الوحدة وتوثيق الروابط.
أي نعم، إن كنا نرى مقابلنا ظلاما فلنحمل مشاعل النور، وإن كنا نراه جاهلا فلنحمل في وجهه كتابا، هذا أسلم للأمن، وأضمن لديمومة الحل.