كثيرًا ما يتساءل الآباء والأمهات بقلق صامت: لماذا يبدو طفلي مختلفًا عن غيره من الأطفال؟ لماذا لا يتصرف بالطريقة التي يتوقعها المجتمع، أو المدرسة، أو حتى العائلة؟ هذا السؤال، رغم بساطته الظاهرة، يحمل في داخله حيرة كبيرة، وأحيانًا شعورًا بالخوف من أن يكون هذا الاختلاف علامة على خلل ما. لكن الحقيقة التربوية أعمق من ذلك بكثير.
الطفل لا ينمو في فراغ، بل يتشكل وعيه وسلوكه وشخصيته من خلال البيئة التي تحيط به. البيئة التعليمية على وجه الخصوص تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الطفل، ليس فقط من حيث ما يتعلمه، بل كيف يتعلم، وكيف يرى نفسه داخل هذا العالم. فالطفل الذي يُمنح مساحة للتجربة والاكتشاف يختلف حتمًا عن طفل يُطلب منه فقط الجلوس والاستماع والحفظ. هذا الاختلاف لا يعني تفوق أحدهما على الآخر، بل يعكس اختلاف البيئات وأساليب التعليم.
عندما يُفرض على جميع الأطفال نمط تعليمي واحد، تظهر الفروق بوضوح. بعض الأطفال ينسجمون مع التعليم القائم على التلقين، بينما يشعر آخرون بالضياع أو التشتت أو حتى الرفض. كثير من السلوكيات التي تُصنّف على أنها “مشكلات” ما هي إلا رسائل صامتة من الطفل تقول إنه لا يتعلم بالطريقة التي فُرضت عليه.
هنا يظهر دور منهج مونتيسوري كأحد المناهج التي أعادت النظر جذريًا في مفهوم التعليم. في فلسفة مونتيسوري، لا يُنظر إلى الطفل كمتلقٍ سلبي، بل ككائن فاعل، يمتلك دافعًا داخليًا للتعلم إذا ما وُضِع في البيئة المناسبة. يُحترم نمو الطفل الفردي، ويُمنح حرية الاختيار ضمن إطار من النظام والاحترام، مما ينعكس مباشرة على ثقته بنفسه وقدرته على اتخاذ القرار.
كما أن محاكاة البيئة الحسية تلعب دورًا جوهريًا في تطوير شخصية الطفل. فالطفل يتعلم من خلال حواسه قبل الكلمات. لمس الأدوات، استخدامها، ترتيبها، والانخراط في أنشطة تحاكي الحياة الواقعية، كل ذلك يبني فهمًا عميقًا للعالم ويعزز التركيز والاستقلالية وتنظيم المشاعر.
إن اختلاف حجم الطفل ليس ضعفًا، بل هو انعكاس لطبيعته الفريدة. المشكلة غالبًا لا تكمن في الطفل، بل في البيئة التي لا تسمح له بأن يكون نفسه. وعندما نوفر له بيئة تعليمية تحترم إيقاعه وتقدّر قدراته، يتحول هذا الاختلاف إلى قوة حقيقية.
في النهاية، طفلنا مختلف لأنه إنسان مستقل، له طريقته الخاصة في التعلم والنمو. ودورنا كأهل ومربين ليس أن نُشبه أطفالنا بالآخرين، بل أن نهيّئ لهم بيئة آمنة ومحترِمة تساعدهم على بناء شخصية متوازنة وواثقة.
ريما الخصاونة