محمد عايش
من كان يظن أن الأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم من سجن جلبوع الإسرائيلي سوف يستكملون حياتهم خارج السجن فهو واهم، ولا يعلم طبيعة الوضع داخل فلسطين، حيث أن إعادة اعتقالهم هو النتيجة الطبيعية لعملية الهروب والنهاية العادية لها، وهم أنفسهم يُدركون ذلك أكثر من غيرهم، ومع ذلك لم يترددوا في تنفيذ عملية الهروب.
إعادة الاعتقال أو الموت هما النتيجة الطبيعية للهروب من سجون الاحتلال، وهذا ما حدث في كل المرات السابقة، والسبب في ذلك أنهم يخرجون للاختباء في أراضٍ محتلة تخضع لسيطرة كاملة من قبل قوات الاحتلال، فضلاً عن أن الاحتلال يمتلك أيضاً أحدث وسائل التكنولوجيا في العالم، مثل القدرة على رصد المكالمات الهاتفية واستخدام الكاميرات مع وجود تقنيات، مثل التعرف على الوجه وبصمة العين وغير ذلك، ما يعني في نهاية المطاف أن الوصول لهم ليس سوى مسألة وقت ولا يحتاج مطلقا إلى أي وشايات أو عمليات استخبارية عالية الدقة.
وعلى الرغم من أن إعادة الاعتقال متوقعة ونتيجة طبيعية للهروب، إلا أن هذا لا ينفي مطلقاً أن يكون هذا الهروب هو نتيجة عملية أسطورية محكمة، كما أنها لم تكن عملية فردية نفذها المعتقلون وحدهم، وإنما بكل تأكيد حصلوا على المساعدة اللازمة من فصائل فلسطينية، أقلها عملية النقل والإيواء، وأغلب الظن أنها عملية محكمة نفذتها حركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي إليها خمسة من هؤلاء الأسرى الستة. عملية التحرر من قيود سجن جلبوع الإسرائيلي لم تكن الأولى من نوعها، بل هي السادسة منذ نشوء الدولة العبرية في عام 1948، أما أبرز عمليات التحرر من قيود الاحتلال فكانت عملية «الهروب الكبير» التي تمكن بفضلها ستة أسرى من الخروج من سجن غزة المركزي في شهر أيار/ مايو 1987، وكانوا ينتمون أيضاً لحركة الجهاد الإسلامي، لكن المهم في كل هذه العمليات أنها تنتهي دوماً إما بإعادة اعتقال الأسرى أو باستشهادهم، وهذه نتيجة طبيعية لشعب يعيش بالكامل تحت الاحتلال وفي سجن إسرائيلي كبير، ما يعني أن الأسير يخرج من زنزانته الصغيرة إلى سجنه الأكبر، وهو ما يجعل الاحتلال يتمكن منه لاحقاً. إذن فالأسرى الستة هم أعلم الناس بأن عمليتهم ستنتهي إلى إعادة الاعتقال أو الموت، ومع ذلك فإنهم يواصلون حفر «نفق الحرية» والحقيقة أن السبب وراء ذلك هو أن محاولات التحرر هي جزء من النضال اليومي للحركة الأسيرة، مثل عمليات الإضراب عن الطعام والاحتجاجات، وغير ذلك من نضالات الحركة الأسيرة.
ومن نافلة القول هنا طبعاً التأكيد على أن إعادة اعتقال الأسرى لم يكن ناتجاً عن وشاية من أحد، ولا عن وجود خيانة ولا عملاء، كما يحلو لبعض أنصار نظرية المؤامرة أن يتخيلوا، إذ ثمة العديد من الوسائل والأدوات لدى الاحتلال يستخدمها في عمليات المسح، أهمها وأبرزها الكاميرات التي تغطي المدن العربية المحتلة كافة في فلسطين، وكذا تقنيات التعرف على الوجه والبصمات بما فيها بصمة العين وبصمة الصوت، وتقنيات التجسس على الهواتف النقالة ورصد المحادثات على الإنترنت وغير ذلك من الوسائل. المهم في عملية «نفق الحرية» أنها تُضاف إلى عمليات النضال اليومي المتراكمة التي يقوم بها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، وهي عملية نجحت في تحقيق أهدافها بامتياز، حيث أعادت تذكير العالم بقضية الأسرى في السجون الاسرائيلية وهم 4850 أسيراً فلسطينياً، من بينهم 43 سيدة و225 طفلاً. كما نجح الأسرى الستة عبر عمليتهم «نفق الحرية» في أن يضعوا قضية الأسرى على رأس أولويات فصائل المقاومة، وهو ما دفع الناطق العسكري باسم حماس «أبو عبيدة» إلى الخروج في كلمة أعادت إلى الأذهان ذكرى الحرب الأخيرة.
والخلاصة هي أن العمل النضالي تراكمي لا يُقاس باليوم ولا بالقطعة، وإنما يُقاس بنتائجه الكلية ومساره العام، والحقيقة أن «نفق الحرية» أعاد الأسرى إلى صدارة القضية الفلسطينية، كما أن «هبة رمضان» قبل عدة شهور وحدت الفلسطينيين وأعادت وضع القدس على رأس أولويات فصائل المقاومة، وهذه إنجازات لا يُنكرها إلا جاحد.
كاتب فلسطيني – القدس العربي