“جرش مُزيّنة بالفرح”.. العلاج لإخراج الكورونا من ذاكرة عُشّاق الحياة
بإيقاد شُعلة مهرجان جرش 35 “جرش مُزيّنة بالفرح”، وافتتاح فعاليات معرض عَمّان الدُّولي للكتاب 2021 ، واعتلاء ماجدة الرومي صهوة المسرح الجنوبي في جرش في ليلة أعادت البهجة والألق لجرش وأخرجت الكورونا من ذاكرة عُشّاق الحياة…(كما قال مندوب يومية المهرجان غازي بني نصر في رسالته الإعلامية الأولى).
زحمةٌ ثقافيةٌ وفنيةٌ تشهدها أروقة فعاليات مهرجان جرش وفي الأماكن المتعددة التي اعتمدتها الإدارة الذكية للمهرجان بقيادة المايسترو أيمن سماوي ليعم الفرح والحب والفن مساحات واسعة من بلادنا نحن في أمس الحاجة لها للخروج من وجع كورونا وحبس الأيام الماضية التي تسببت في حالات نفسانية صعبة لعموم الناس.
في غمرة إنشغال عشاق الحياة بإعادة الروح في يومياتنا تخرج أصوات نسمعها تُردّد العبارات والبيانات ذاتها منذ 30 عاما، تُوجِّه سهامها إلى كل فِعلٍ فنيٍ أو ثقافيٍ تَقَدُّمي.
للأسف؛ في عقل الدولة وسلوك السلطات استسلامٌ بِرغبة أو في العقل الباطن لِما تَتَطلَّبُه ثقافة جماعة الإخوان المسلمين والمجتمع المتدعِّش، ومواجهةٌ ضعيفةٌ في حالات كثيرة، هذه المرة كانت جرعة الجُرأة أكثر نضوجا، وتم تطنيش الأصوات السلبية، وتم اتخاذ أجرأ قرار بإقامة فعاليات المهرجان مع مراعاة الشروط الصحية ما أمكن ذلك.
أكثر ما يتفق عليه الأردنيون في هذه الأيام، ليس مرتبطا بالمواقف السياسية والاقتصادية، والاجتماعية. الإجماع الأردني مُحدَّدٌ في أن عَطبًا ما أصاب منظومة الاخلاق في الأردن، بحيث أصبح الفساد فهلوةً، والكذب السياسي شطارةً وحنكةً، والخراب الاقتصادي سياسات متراكمةً.
معالجة منظومة الأخلاق والقيم، ليست مرتبطة بقرار سياسي أو إداري، بل بقرار مجتمعي، وخير مَن يبحث ويُوجِّه البوصلة في هذا الشأن، هم أصحاب الثقافة والفكر، لكن يبقى السؤال معلقا، لِمَ غياب المثقف الأردني المفجع عن المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي؟
سيقول بعضهم: إن عددا من المثقفين حاضرون في أي نشاط، وبعضهم لا تغيب عنه أية فعالية، وهذا صحيح لا نقاش فيه، لكن هل يكتفي المثقف بدور رجل الشارع العادي أو حتى الحزبي الذي يشارك في الاعتصامات والمسيرات، ويتشارك معه في إطلاق الشعارات وحمل اللافتات، وبعد ذلك يُكفى المؤمنون شر القتال؟
في الأردن حراك يَضمُر ويتَّسع، وفيه تَوسًُع في القضايا الاجتماعية والعنف المجتمعي، شئتم أم لم تشاءوا هو حراك مجتمعي، يفرز الغث من السمين، أعجبتكم الحال أم لم تعجبكم، عليكم أن تقولوا شيئا، أن تنيروا الطريق للناس، ألستم الضمير الخلّاق، والشمعة التي تنير الطريق؟
في الأردن نكوص عن بعض مظاهر الحياة المدنية تُجاه التشدد، وفيه لغة خشبية، ومصطلحات كراهية عند وقوع أي خلاف حتى لو كان حول مباراة كرة قدم، وفيه حالة من الإحباط، والخوف على المستقبل؟.
لا أحد ينكر أن الثقافة بشكل عام تعاني من التوتر، انظروا كيف أصبح مطربو “الهشِّك بشِّك” يحظون بالاهتمام والرعاية أكثر من المفكر والفيلسوف والشاعر والمبدع. المثقفون وقادة الرأي استقالوا وتركوا أمر الثقافة للمشبوهين والعابرين.
لقد اختار المثقفون ألا يتحركوا، واختار رجال الفكر ألا يفكروا فتركوا الساحة للفراغ القاتل وللمبتدئين، لا يكفي أن تُفتح الصحف لهؤلاء لنظن أن الثقافة موجودة؟ إن الناس- مواطنين وسياسيين وغير هؤلاء- ينتظرون من المثقفين أن يهتموا بالمجتمع، بآلامه وطموحاته، بمشاكله وتناقضاته، وأن يخلقوا الحل في إطار متنوع يفتح الآفاق ويبعث الأمل، وأن يثيروا معركة مجتمع حقيقية تتفاعل فيها الآراء، وتُسهم التوجهات كلها في تكريس الديمقراطية، وإتاحة الفرصة للاختلاف في الرأي، والمواجهة الفكرية السليمة التي تحتوي على الفروق، وتوجه التناقضات في القنوات التي أبدعتها التجارب البشرية عبر القرون.
لقد أصيب العقل بانتكاسة، وأفلست الكلمة عندما غاب المثقفون الحقيقيون. فعلى مثقفينا أن ينزلوا من أبراجهم العاجية.
الدايم الله…..