وتأمنُ الأنثى جانب الذّكور في القطيع إذا رافقت الذّكر المسيطر، “الذكر ألفا”، حتى لو كانت في حياته إناث أخريات، لا يهمُّ الامتلاك هنا، بل الحماية. وتميل النّساء في الأحزاب (الأوساط
الأكثر ذكورية على الإطلاق) إلى قصّات شعر قصيرة، وملابس تشبه ملابس الرّجال في الحياد، وعدم مطاوعة الجسد الأنثوي بالانثناء أو النّعومة. ومعظم النّاشطات الحقوقيات، ونساء كثيرات، ذوات المناصب، واللّواتي يشتغلن في محيط ذكوري للغاية، يُمكن فهم الهيئة (الستاندار) التي يملن إلى أن يحشرن معالم أنوثتهن فيها، حين نعرض الوضع من زاوية النّظر السابقة.
انتبهتُ إلى وقفة وحركات الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد (المغربي)، نبيلة منيب، في مناظرة تلفزيونية أيّام الانتخابات الماضية، واندهشتُ لأنّها على الرغم من حرصها على العناية بمظهرها، إلّا أنّها أكثر حرصًا على ألّا تكون لها أي حركة، أو سكنة تشي بأنوثة ما، حتى صوتها خلعت عنه رداء الأنوثة، وجعلته أجشَّ بلا رنين أو نعومة أو انثناء أو حدّة، وهي أشياءٌ تميّز صوت المرأة.
وتتصرّف مريم بنصالح، وهي من أقوى الاقتصاديات ونساء الأعمال في المغرب وأفريقيا، كرجل أعمال حقيقي، بذكورته، وحياده الجنسي والعاطفي، في صرامتها وبدلها الرسمية. وعلى الرغم من أنّها لم تقص شعرها قصيرًا، إلّا أنّها تجمعهُ بشكل صارم. وبالرّغم من أنّها لم تبذل جهد نبيلة نفسه في طرد الأنثى في حديثها، وحافظت على أنوثةٍ فطريةٍ لم يتمّ تطويرها، أو تحسينها، إلا أنّها أشبه بأنوثة الأمّهات أو مديرات المدارس في أقصى الحالات، لا أنوثة المرأة التي لها إمكانات إغراء قد تشكل عامل تهديد خفيًا، أو تكون سببًا للفتنة؛ أو ذات الجسد الرّشيق مثل نبيلة التي تحمل كل صفات الأنوثة المقموعة ذاتيًا، وربما بضغطٍ قوي من الخارج، لتندمج في الأوساط اليسارية الذّكورية على الرغم من الشّعارات التي تحاول نفي ذلك. لدى نبيلة ملامح جمال، إلّا أنّها ترفض أن يكون أنثويًا، ولصعوبة الاندماج بين الرّفاق بهذا الجمال، من دون التعرّض إلى الاستقطاب الجنسي، أو الاستخفاف، دور في ذلك.
نموذج المرأة المحتفية بأنوثتها تبرز فيه مغربيًا فاطمة المرنيسي، التي على الرغم من أنّها لم تمارس طقوس المرأة التّقليدية من زواج وإنجاب، إلا أنّها لم تتوقّف عن الاحتفاء بنفسها أنثى، في المظهر والجوهر، وفي الحديث. لم تحاول يومًا أن تترجّل، أو تبالغ في التأنّث المصطنع، إنها امرأة كما يجدر بالمرأة أن تكون، على طبيعتها الحقيقية، ومن دون الخضوع إلى مقاييس خارجية، تميل إلى هذه الكفّة أو الأخرى.
عادة ما تمثّل المظاهر الخارجية مؤشّرًا على وضعية المرأة في المجتمع. وتشير طريقة بنائها
العلاقات مع الرّجل إلى طبيعة تكوينها ونشأتها، وظروف حياتها التي تختلفُ بشكل جذري بين امرأة وأخرى، لأنّها تعكس، معظم الأحيان، طبيعة الوسط الذي نشأت فيه، ونادرًا ما تخرج المرأة عن التمثّل الذي حملته عن الرّجل من أسرتها والمحيط.
في العام 1929، كتبت فرجينيا وولف، في رسالة لها: “لم أستطع منع نفسي، وأنا أشاهد أعمال شكسبير على الرّف، من التّفكير بأنّ من المستحيل تمامًا لأيّ امرأةٍ أن تكتب مسرحياتٍ مثله، وهي في مثل عمره، وفي مثل ظروفه، فلو كان لشكسبير أخت تتمتّع بموهبة رائعة، فسنجد أن شكسبير قد التحق بالمدرسة الثانويّة، فتعلّم وقرأ لكتّابٍ عديدين، ثم سافر وتزوّج من امرأة في الجوار، سرعان ما أنجبت له ابنًا، وبعدها ذهب إلى لندن، وبدأ العمل في العناية بالخيول، ثم بعدها بفترة وجيزة، حصل على عملٍ داخل المسرح، حيث أصبح ممثّلاً ناجحًا، وعاش في مركز العالم، والتقى الجميع حتّى استطاع دخول القصر الملكي، بينما ظلّت أخته، التي افترضنا أنّها عظيمة الموهبة، حبيسة المنزل، مع أنها توّاقة للتعلّم والمغامرة. لكنّها لم تُرسل إلى المدرسة، ولم تعش حياة شكسبير الغنيّة، فكيف نتوقّع أن تصبح كاتبةً عظيمة مثله؟”.
إنّها الوضعية نفسها التي لا تزال المرأة عالقة فيها، كلّ شيء ضدها، حتى أنوثتها، بل على الخصوص أنوثتها؛ رغم ذهابها إلى المدرسة، والعمل. بينما يمكن للمرأة أن تكون صديقة الرّجل، وزميلته، وشريكته. في المجتمعات الغربية، على الرغم من أن العلاقة ليست مثالية، إلا أنّها تخلصت من التوتّر الجنسي السّافر، واستطاعت المرأة أن تمشي إلى جانب الرّجل من دون خنوع زائف، أو تمسّح بالذكر، وبلا خوف منه أو خشية استغلال. من الجهة الأخرى، يمكن للرّجل أن يجالس المرأة، ويناقشها من دون التّفكير في ثقوبها، كما تشير جملة منتشرة إلى عكس ذلك.
يُمكن للمرأة أن تعمل وتمشي وسط جماعة ذكورية، على الرغم من أنّ أيّ جماعة مجتمعة على أساس جنسي هي تمييز وإقصاء مسبق للجنس الآخر. حتى لو خاضت في ميادين لا تنشط فيها المرأة كثيرًا، إلا أنّها تستطيع أن تفعل بثقة كبيرة بأنوثتها التي لا تعني الإغواء، بل لا تتعدّى الصّفة البيولوجية المحضة التي تمثّل التقسيم الجنسي الثنائي الذي اختارته الطّبيعة للاستمرار. وصفاتها لا تسبق وجودها، بل وجودها الإنساني المعادل للرّجل يسبق الأنوثة، أو الذكورة. وبالتالي، يقضي أي توتّر جنسي على إمكانات تطور علاقة طبيعية بينهما، يطبعها التّعايش والمشاركة، ثم يأتي الجنس محدّدا ثانويا للعلاقة في آخر الهرم. وإلّا ستبقى العلاقة بهذا الشكل الذي يشعرهما بأنهما يرقصان على الحبال، واحتمال السّقوط يمنع عنه حبلٌ رفيع.