بمشاركة واسعة من المهتمين والمختصين وممثلي المجتمع المدني المحلي والدولي والحقوقيين، قدم المؤتمر الوطني لحماية الطفل في الأردن “لنا أمل” والذي دعت إليه منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ضمن مشروع “تعزيز بيئة الحماية للأطفال الأردنيين واللاجئين السوريين”، الإثنين 4 تشرين الأول/أكتوبر 2021، رؤية لأوضاع الأطفال خلال جائحة كورونا وبعدها، ومدى استجابة الجهات المعنية لاحتياجات الحماية لهم.
سلط المؤتمر الضوء على محورين رئيسين أولهما هيكلية الحوكمة وآخر التطورات التشريعية والقانونية في إطار حماية الطفل، والثاني حول آليات حماية الطفل النفسية والاجتماعية والمساعدات النقدية والخدمات الاجتماعية.
وركز المشاركون على ضرورة مراجعة وتطوير المرجعيات والتشريعات والأنظمة المؤثرة والمرتبطة بمبدأ “المصلحة الفضلى للطفل”، فضلاً عن ضرورة تكاملية الخدمات المقدمة لحماية الطفل والتي تعمل على معالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي تركتها جائحة كورونا وأثرها على عمل الطفل وغيرها من تبعات اقتصادية وتبعات أثرت في وصول الطفل إلى العدالة خلال كوفيد-19.
المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة (أرض)، سمر محارب، استعرضت الوضع الحالي لحماية الطفل ومخرجات تقرير “وصول الأطفال إلى العدالة خلال جائحة كورونا – التحديات التي يواجهها الأطفال، والأطفال ممن هم على خلاف مع القانون في الأردن”، مشيرة إلى أن هذا المؤتمر يأتي بالتزامن مع نهاية مشروع تعزير حماية الأطفال الذي نفذته المنظمة على مدار عدة سنوات بالشراكة مع أوتشا.
وأشارت إلى رصد المنظمة لتحديات نجمت عن كورونا مثل ازدياد الجرائم ضد الأطفال، من بينها انتشار المخدرات والإساءات الجسدية والجنسية والتسرب المدرسي، بالإضافة إلى ضعف الرقابة والمتابعة من ذوي الشأن في مناطق وجود الأطفال الذين بحاجة لدعم قانوني.
وهدف مشروع “تعزيز بيئة الحماية للأطفال السوريين والأردنيين” إلى المساهمة في تعزيز البيئة الوقائية للفتيان والفتيات المعرضين للخطر بمن فيهم الأطفال من ذوي الإعاقة الذين يعيشون في المجتمعات الأكثر ضعفاً وتضرراً من جائحة كورونا، عبر توفير الخدمات القانونية والدعم النقدي لهم.
وعن إطار حماية الطفل، قالت رئيسة وحدة التمويل الإنساني في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أماني صلاح “لدينا منظومة تشريعية جيدة لحماية الطفل، وامكانيات متوفرة لتقديم مثل هذه الحماية، ونحن بحاجة لبرامج حقيقة يمكن تطبيقها بشكل مستدام”.
كما وأشادت صلاح بالشراكة مع منظمة النهضة (أرض)، باعتبارها منظمة وطنية تعمل باحترافية كبيرة ولها جهود مكرسة وكبيرة في مجال حقوق الإنسان والعمل المجتمعي الرائد”.
وبشأن آلية حماية الطفل، اعتبر الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، د. محمد مقدادي، أن أدوات حماية الأحداث تحتاج إلى مزيد من التطوير، لمواكبة تطورات المجتمع والتوسع الجغرافي. ولفت مقدادي إلى أن 42% من الأسر في الأردن تعتقد أن العنف داخل الأسرة هو شأن داخلي بالأسرة ويجب ألا يتم التدخل فيه من أي جهة خارجة عن إطار الأسرة، وفقا لتقرير أحوال الأسر الأردنية.
وحول آلية حماية الأحداث، رأى مدير إدارة حماية الأسرة والأحداث، العقيد فراس الرشيد، أن الأردن بدأ مبكرا بإنشاء منظومة لحماية الاسرة، تعمل على تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية للأسر.
ولفت إلى أن الأردن عمل على تحسين التشريعات والسياسات المتعلقة بحماية الطفل، وكذلك رفع درجة الوعي والثقافة المجتمعية في هذا المضمار، منبها إلى ضرورة رفع وعي الأهالي بما يتعلق بالتبليغ عن أي اضرار تصيب الطفل. وقال الرشيد “أجرينا هيكلة داخلية للإدارة وتطوير أدوات الاستجابة للتحديات أثناء الجائحة، كما رفعنا كفاءة أدوات التبليغ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي”.
وفيما يتعلق بعمل الأطفال، أكدت عضو اللجنة التوجيهية في التحالف الوطني (جوناف)، المديرة التنفيذية لمركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا كلش، أن بعض التشريعات تكون حبراً على ورق، ولا تحمي الأطفال بشكل كافي.
ولاحظت كلش أن أخر مسح لعمالة الأطفال كان في عام 2016، ما يعني أن هناك مشكلة كبيرة في إحصاء أعداد الأطفال العاملين، مطالبة بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، خصوصا من هم أقل من سن السادسة عشر.
وبحسبها، فإن التسول أدرج ضمن جرائم الاتجار بالبشر، ولكنه أدرج على أنه تسول منظم، ولم يتم تعريف كلمة منظم في القانون، ما يعني أن العديد من الأفعال لا تعتبر تسول بسبب هذه الإشكالية، فالطفل الذي يحمل علبة محارم لا يعتبر متسولا إنما طفل عامل.
بينما قدمت عضو التحالف الوطني الأردني (جوناف)، ورئيسة الجمعية الأردنية لرعاية الأحداث والأيتام، مفيدة الزواهرة، شهادة من أرض الواقع أكدت فيها ضرورة زيادة تمويل المجتمع المدني لتحسين الخدمات الصحية والنفسية والتعليمية والقانونية المقدمة للأطفال.
وبينت أن الضرورة تقتضي زيادة وعي الأهالي بشأن حماية الاطفال، مع أهمية التكاتف المجتمعي لضمان حماية الأشخاص، خاصة في مخيمات اللجوء، مشيرة إلى أن الجائحة أسهمت في تفاقم مشاكل مجتمعية عدة تواجه الأطفال منها الزواج المبكر في مجتمعات اللجوء وانتشار المخدرات بين الأطفال في المناطق الحدودية وضرورة الوقاية منها أيضاً.
وخلال الجلسة الثانية من المؤتمر، تحدث رئيس وحدة حماية الأطفال في اليونيسف، ماريامبيلاي ماريا سيلفام، حول حقوق الطفل وآلية حمايته، مبينا أن هناك تحديات عديدة مست الأطفال خلال الجائحة، لاسيما العنف ضدهم وارتفاع معدلات عمل الأطفال.
وبرأيه “لم نكن مستعدين لهذه الأزمة على الاطلاق، مؤكدا أهمية بناء قدرات مقدمي خدمات الحماية في القطاع الرسمي ودعم المنظمات لحماية الأطفال وصون حقوقهم”.
وأكد أن اليونيسف تؤمن بضرورة وجود منظومة وطنية تكاملية تعمل على وضع منظومة للحماية الشاملة للطفل وتشمل كافة قطاعات. وأشار إلى أن اليونيسف تعمل مع الحكومة الأردنية لتحسين حماية الطفل عبر ثلاث ركائز تتمثل بمواءمة التشريعات مع المعايير الدولية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة في هذا الصدد بالإضافة إلى العمل مع المجتمعات لإحداث تغيير على مستوى المجتمع.
وفيما يخص ضرورة تخصيص صندوقً لصمود الأطفال بعد جائحة كورونا، أشارت لبنى الكندا، وهي رئيس مشارك وممثل عن مجموعة عمل المساعدة النقدية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن خلال فترة كورونا واجهت المجموعة صعوبات كبيرة في تقديم المساعدات النقدية بسبب الاغلاقات والحظر الشامل، بالإضافة إلى صعوبة تقديم الدعم للطفل المعنف في بيئة يقطنها معنفه.
وأكدت أن المساعدات النقدية لا تقدم بشكل منفصل عن المساعدات النفسية، مبينة أنهم يعملون على إيجاد سيناريوهات جديدة تتصدى للتحديات المستقبلية.
أما بخصوص أهمية تقديم خدمات نفسية واجتماعية للطفل، فقالت مديرة تطوير الأعمال والاتصال في مشروع الأمل، فرح سماوي، إن “الأطفال كانوا أكثر هشاشة في المنطقة العربية، خلال كورونا، فهناك نحو 40 مليون طفل يعانون من الصدمات والصعوبات في العالم”.
ولفتت إلى أن كثير مم الأطفال يعانون من أزمات نفسية، بالتزامن مع وجود نقص حاد في أعداد الأطباء النفسيين والقدرة للوصول إلى هذه الخدمات.
وبينت سماوي أن مشروع الأمل يقدم أنشطة مختلفة لمساعدة الأطفال لتخطي هذه الصدمات وكتابة قصتهم من جديد، قائلة في هذا السياق: “لا نقدم المعرفة فقط للأطفال، بل نقدم لهم الأدوات والمهارات لمساعدتهم”.
بدورها، قدمت إيفا العساف، وهي قائدة مجتمعية من اللاجئين السورين، ملاحظاتها بخصوص الخدمات الاجتماعية المقدمة للطفل، معتبرة أن الطفل وجد صعوبات خلال كورونا، خاصة تجربة التعليم عن بعد، فضلا عن صعوبات مادية وقعت على كاهل الأهالي والأطفال معا، بحيث لم يكن باستطاعة العائلات توفير أجهزة حديثة للتعلم.
في الختام، أكدت عضو اللجنة التوجيهية للتحالف الوطني (جوناف)، والرئيسة التنفيذية لدرة المنال للتطوير والتدريب منال الوزني، أهمية تحقيق النهج التكاملي في العمل، وضرورة تظافر جهود المجتمع المدني بقطاعاته المختلفة والتعاون مع الجهات الرسمية والمانحة خصوصا بما يتعلق بقضية التمويل، مؤكدة على دور المنظمات المحلية وقدراتها الوصول للفئات المتضررة.
وشدد المشاركون على استمرار الحوار بين كافة الأطراف وتعزيز المحلية والتنسيق فيما يخص حماية الطفل وضرورة تخصيص موازنة وخطة وطنية في موضع التطبيق، تتوافق مع المواثيق الدولية بدءا بالموافقة على مسودة قانون الطفل، مع أهمية توفير بيانات وأرقام لمعرفة حجم المشاكل التي تواجه حماية الطفل وإحقاق التغيير المجتمعي انطلاقا من الأسرة والوقاية من العنف ضد الطفل وكذلك بناء وتعزيز كفاءات كوادر مقدمي خدمات الحماية والرعاية.