بين”وثائق باندروا” و “الفتى الصيني” ضاع الصدق..

أسامة الرنتيسي –

 إعمال بسيط للفكر إلى أين وصل مستوى الإعلام العالمي…!
مثلما بلعَت مؤسسة عريقة مثل الـ بي بي سي فيلم ملايين السياسيين والملاذات الضريبية الآمنة، بلعَت أهم وكالات العالم “رويترز” إشاعة أن فتًى صينيًا يبلغ من العمر 13 عاما كان السبب في تعطيل الفيسبوك وسحب الفيش من العالم…
تحقيق الـ بي بي سي المنقول عن وثائق باندورا جاء ساذجًا ومضحكًا بعنوان:
“وثائق باندورا”: ملك الأردن أنفق أكثر من مئة مليون دولار لتكوين إمبراطورية عقارية سرية”.
يا لطيف؛ إمبرطورية عقارية سِرِّية كُلْفَتها 70 مليون دينار أردني، (100 مليون دولار)، فهل يصلح مصطلح إمبرطورية عقارية سرية مع هكذا مبلغ، وماذا نسمي الامبرطوريات المليارية إذن؟!.
في العاصمة عمّان، وعلى شارع حيوي يوجد قصرٌ كُلفةُ بنائه قبل التأثيث 120 مليون دينار، تقريبا ضعف إمبرطورية الـ بي بي سي، كما يوجد في عمّان عاصمةُ البلدِ الفقيرِ بيوتٌ وقصورٌ وفللٌ ومزارعُ ثمنُها قريبٌ من ثمن (الامبرطورية) وبعضها أكثر بكثير من ذلك.
إعلام الديوان المَلِكِي نجح هذه المرة في نشرِ توضيحٍ مفصلٍ وكاملٍ عن الموضوع، لم ينف ما جاء في التحقيق، وأكد أن عدم بيانه مسبقا جاء لأسباب أمنية أولًا وثانيًا هذه مِلكيّات خاصة لا أحد مطلوب منه أن يعرف ما يوجد عند غيره.
مضحك كثيرا، عندما يتم الحديث عن عقارات – شقق وبيوت – في أميركا وبريطانيا مجموع ثمنها 70 مليون دينار، لملك ابن ملك، والمضحك أكثر محاولة التهرب الضريبي “الملاذات الضريبية الآمنة” فهل من المعقول أن شخصًا يمتلك 100 مليون يتهرب من الضرائب في بلدين ترتفع فيهما قضية الضرائب إلى مستويات عليا من الاهتمام والتطبيق، فكيف الحال بأصحاب المليارات وطرق تهربهم الضريبي.
أما رويترز، والوكالات والمؤسسات الإعلامية الأخرى التي بلعت إشاعة الفتى الصيني الهكر الذي يبلغ من العمر 13 عاما وكان السبب في تعطل الاتصالات العالمية والعودة إلى زمن الفاكس والرسائل النصية القديمة، فإنما يدل على الواقع الذي وصلت اليه مؤسسات إعلامية عريقة كانت المرجعية في الصدق والتحقق.
لأن العالم وقف على رؤوس أصابعه عدة ساعات بعد أن تم سحب فيش الاتصالات العالمية، وتعطلت وسائل التواصل الاجتماعي، وتفاجأ العالم أنه في لحظة يمكن أن يتعطل كل شيء، وينقطع التواصل بين الجميع، نجحت الإشاعة من جديد في تمرير معلومة سخيفة بأن ما جرى كان سببه فتى صيني إستطاع تهكير إتصالات العالم، وللأسف بلعت الوكالات العالمية الكبيرة الإشاعة ونشرتها على إعتبارها حقيقة.
لنعترف أننا نعيش في عالم بلا مضمون، من الممكن أن يتم تمرير كل شيء علينا، لكن ما نحتاجه أكثر تشغيل الدماغ للحظة والتفكير بما يجري، ولا أكثر من لحظة نُعمل فيها الفكر حتى نَتبيّن الغث من السمين.
الدايم الله….