التربية والتعليم .. إلى أين؟.. الدكتورة اخلاص احمد

نعم، لكلّ عصر أفكاره حول التعليم، فالتعليم في هذا العصر له قدرة على تغيير الرجال تغييرًا محسوسًا وإيجاد المساواة فيما بينهم، ويعدّ هذا من أساسيّات التّعليم. ظهر على النقيض من هذا الرأي ــ وفي لغة علم النفس ــ مَن أثبت أن التعليم لا يزيد في تهذيب الإنسان،  وفي سعادته، ولا يغيّر في غرائزه وشهواته التي تلقاها بالوراثة،  بل إذا ساء طريقه  كان ضرره أكثر  من نفعه. إنه لمن المضحك معرفة أنّ ما أشار اليه موسو (أدلف جيو)ــ  وهو أحد أعظم القضاة ــ  من وجود ثلاثة آلاف من المتعلمين في كل أربعة آلاف من المجرمين  وألف أميين . إذن لا شك في أن التعليم إذا حسنت طرائقه نتج عنه نتائج عملية  ذات  فائدة كبيرة في رقي الاخلاق وتنمية المهارات الفتية، ولكن ما يحدث في هذا العصر هو ما تناقضه العين والسمع من حيث إنّ الحفظ عن ظهر القلب يربّي الذكاء ويقوّي الفطنة ، ثم انتقلوا الى وجوب الإكثار من الحفظ ما استطاعوا وان التعليم أصبح في بوتقة تنحصر في إلقاء المحفوظ والخضوع للمعلم.

     حقًّا، إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد من حيث الحفظ بل تعدى ذلك الى ما نجده من السأم الشديد بين الناس من أصحاب الطبقة المتوسطة من الوظائف المهنية، فلا الفلّاح يزرع أرضه ولا الصانع يبقى في صنعته،  وأقل الناس في الطبقة الوسطى يربي أولاده على استجلاب الشهادات ليوظفوهم في الوظائف الحكومية . فأصبحت المدرسة لا تربّي الاولاد ليصبحوا رجالاً قادرين على الحياة، وإنما تخرج عمالاً لوظائف ينجحون فيها دون أن يكونوا قادرين على قيادة أنفسهم أو تطوير ذواتهم.

    أصبحنا نشاهد آلاف الشهادات مكتظة أمام باب كلّ وظيفة مهما صغرت، وأصبح هؤلاء الخريجون غاضبين، بل ومستعدين لكلّ نوع من أنواع الثورة والهرج تحت قيادة أي شخص بهدف إظهار أن إكتساب المعارف لا يستعملها أصحابها وإعتبار الثورة من انجح الوسائل في إظهار هذا الامتعاض. إنّ ما أكاد أجزم به أنّ مدارسنا لا تكسب شبابنا ملكة حسن التمييز ولا الإرادة وصلابة الأعصاب بل على النقيض، يسير الشاب مضطرب الاخلاق ومختل الاتزان الانفعالي، ويخشى بقاءه وهو ضعيف المهارات ممتعض الحال. واخيراً، نحن نعلم أّن الطريقة المتبعة  عندنا في التعليم قد هيأت جيشًا كثيفًا من الممتعضين المستعدين لتنفيذ ما يشيره إليهم الاخرون تجار الكلام، وها نحن نسير بفوضوية عالية تربو بها مدارسنا، وقد جلس طلابنا فقط لينتظروا الامتحانات وينالوا الشهادات وليعطوا الاجازة أو الامتياز، ولا ينتظرون شيئاً غير ذلك…ويبقى  سؤال حال عصرنا: التربية والتعليم ..الى اين؟