سكجها يكتب: سامحك الله يا مصطفى، فقد غلبت الفلافل الدراسات والاستشارات!

باسم سكجها

على سبيل المداعبة، سأقول للدكتور مصطفى الحمارنة: سامحك الله، فقد فتحت علينا باباً كانت تأتينا منه نسمات طيبة، وبات الآن مفتوحاً على رياح عاتية من مختلف الاتجاهات: غربية، شرقية، جنوبية، شمالية، وربما من فوق وتحت!

سامحك الله يا دكتور، فقد أعدت تأسيس وانتاج مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية، وأهم الاعمال كانت استطلاعات الراي العام، حيث مائة يوم على تشكيل حكومة، ثم سنة على تشكيلها، وكان لها حينها وقع مؤثر على الحياة السياسية المحلية، وليتك لم تفعل، لأن تجربة مطعم فلافل ناجح، تتكرر في الدراسات والابحاث والاستشارات والمراكز وأعمال المنظمات غير الحكومية!

أما تجربة مطاعم الفلافل فواضحة، حيث يبدأ فلان مسيرة قلي الفلافل في صاجية، وفوق بسطة متواضعة، أمام مدرسة، وينجح بالبيع، ويكرمه الله بالرزق ليتحوّل إلى صنع الساندويتشات، والحمص والفول، ثمّ يستأجر مكاناً قريباً ليس أكبر من كراج سيارة، فيزيد الله في رزقه ويصبح إسمه متداولاً في إرجاء عمّان…

لن تمرّ أشهر قليلة، حتى تمتلئ الشوارع المحيطة بمحلات بيع الفول والحمص والفلافل، وسيضيع الحابل بالنابل، وللأسف فهذا ما جرى معنا في مسألة مراكز الدراسات والابحاث والاستشارات وتخصصات المنظمات غير الحكومية!

يُقال وزير، فيؤسس مركزاً للدراسات والاستشارات، ويتقاعد مدير فيؤسس منظمة غير حكومية، والغريب أنّ هذا التكاثر الأرنبي لا يعبّر عن أفكار جديدة، بل مجرد محاولة للتقليد الأعمى، وللأسف فهناك من يصدّق من السفارات والممولين الدوليين أنّ هذه تعددية فكرية، مع أنّها ليس غير زيادة في العدد، لا في النوع…

علينا، نحن كمواطنين، أن نقرأ بين يوم وآخر، نتيجة دراسة جديدة، حول الموضوع نفسه، والغريب أنّها كثيراً ما تحمل التباين في النتائج، دون الخوض في موضوعات مبتكرة تحمل علاقة وثيقة بقضايا الناس، والغريب أكثر أنّ ما كان يسمّى بالمنظمات غير الحكومية، وأسس لأسباب سياسية عامّة ومتخصصة، صار يعمل بكلّ ما هبّ ودبّ، وصولاً إلى منافسة جمعيات محلية لتمكين النساء في الطبخ، وعرض المنتجات الزراعية !

علينا أن نعيد إنتاج فكرة الخدمة العامة غير الربحية، فهي التي صارت في بلاد الغرب سلطة خامسة، وأن تتأسس وتعمل على تقديم الجديد للناس، وفي سبيل مصلحتهم، لا أن تتحوّل إلى محلات بيع فلافل، مع أنّ ترخيصها يسمّيها مراكز أبحاث ودراسات واستشارات، والمريب أنّ وسائل الاعلام تُفرد لها عناوين الصحف والشاشات، وأنا بالتأكيد لا استثني المراكز الحكومية وشبه الحكومية، وللحديث بقية!