في نظرة تحليلية، أعدّ مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد” تقريراً حول اللقاء المصور الذي أُجري مع المتهم بقتل أمه.
وجاء في التقرير ما يلي :
ارتكب مذيع انتهاكات مِهنيّة جسيمة بعد أن قام بإجراء مقابلة صحفيّة مُصوّرة مع متّهم بقتل والدته، والموقوف في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل التَّابعة لمديريّة الأمن العام، ومن أبرز هذه الانتهاكات: التأثير على سير العدالة، ومقابلة متّهم لم تنته محاكمته بعد، بالإضافة إلى عدم الالتزام بمواثيق الشَّرف الصحفيّة.
وتتبّع مرصد مصداقيّة الإعلام الأردني “أكيد”، مقطعًا مصوّرًا منشورًا على منصّة نشر علنيّة ومدته 8 دقائق و32 ثانية، تضمّنت مقابلة مع متّهم بقتل والدته في إحدى مناطق العاصمة عمَّان، وما زال يخضع لإجراءات رسميّة تحقيقية ضمن سلسلة المحاكمة العادلة في مثل هذه القضايا والتي حدَّدها القانون.
وقال أستاذ القانون والتَّشريعات الإعلاميّة والأخلاقيّات الصَّحفية الدكتور صخر الخصاونة لـ “أكيد”، إنَّ أوّل انتهاك في هذه المقابلة هو التأثير على سير العدالة، وإجراء مقابلة مع متّهم لم يتمّ الانتهاء من مراحل محاكمته وصدور قرار قطعيّ، وكان المتّهم مكشوف الوجه وباديًا عليه أنَّه لا يسيطر على قواه العقليّة، بالإضافة إلى مخالفة مواثيق الشَّرف الصَّحفيّة والمهنيّة، ومخالفة المواثيق الدَّوليّة في مثل هذه القضايا.
ولفت إلى أنَّه بموجب القواعد المتعلّقة بضمانات المحاكمة العادلة للموقوفين، فإنَّه يجب عدم تعريضهم إلى كاميرات الصحفيّين؛ لضمان عدم الإساءة إلى كرامتهم، سّيما وأنّ القاعدة هي “المتّهم بريء حتى تثبت إدانته”.
وبيّن انَّه يحق للأجهزة الأمنيّة أن تقوم بنشر صور المطلوبين والموقوفين، شريطة عدم المساس بكرامتهم الشخصيّة، مضيفاً وحسب رأيه الشخصي، أنَّ الأجهزة المعنيّة تلجأ أحيانًا إلى نشر مثل تلك الصور للتدليل وإثبات إلقاء القبض على المطلوبين، لا سيّما في قضايا الرّأي العام التي يرافقها مطالب شعبيّة، حيث يُعدُّ هذا الإجراء تقديماً للمصلحة العامة على المصلحة الشخصيّة للمُشتبَه به.
وقال: “إنّ نشر صورة المشتبَه به في حالة ضعف إنسانيّ، هي مخالفة أخلاقيّة، فالحق القانوني يشترط أن لا تمسّ الصورة بالكرامة الشخصيّة، مشيراً إلى أنَّ مقابلة متهم بالقتل لا تقدِّم أيَّة قيمة إخباريّة للجمهور، وأنَّ الجهة الوحيدة التي تقوم بنشر التحقيقات حول الجرائم هي الجهات المختصّة، وضمن حدود القانون، وبما ينفع الرأي العام، ولا يقع في حدود التّرويج للجريمة وبيان تفاصيلها القاسية.
وأكد أنَّ للمقابلة الصحفيّة شروط مهنيّة حازمة ولا يجوز تجاوزها وبخاصّة في مثل هذه القضايا، حيث إنَّ القانون يطلب في قضايا الجنايات الكبرى وجود محام للشخص المتهم، فإن لم يستطع تقوم المحكمة بتعيين محام له على حساب خزينة الدَّولة، وأنَّ حديثه بهذه الطَّريقة غير مهنيّ ولا حتى قانونيّ حسب مبادئ الصَّحافة وقوانينها.
وبيّن أنَّه فيما يخصّ أخبار الجرائم، فإنَّ الأصل يكون بنشر خبر بسيط حول وقوع الجريمة بحيث يؤدّي الإعلام دوره في إطلاع جمهور القرّاء والمتابعين على ما يقع من جرائم فور وقوعها، دون الخوض بالتفاصيل التي من شأنها أن تنال من كرامة الضحيّة، أو تؤثر سلباً على مشاعر أسرته.
وقال إنَّه وبحسب قانون المطبوعات والنشر فإنَّه يحقّ للصحافيّ نشر خبر الجريمة “الصامت” بالإضافة إلى خبر إلقاء القبض على المجرم وتسليمه للقضاء، ويلتزم بعدم النشر منذ بداية التحقيق، ويشمل عدم النشر مراحل التحقيق كافة حتى تُحوّل نتائج التحقيق إلى الحِفظ، أو إلى المحكمة للبدء بإجراءات التقاضي بين الخصوم.
ويُذكّر “أكيد” بمجموعة من المواد القانونيّة التي تنظم عمل الصحافة في مثل هذه الظروف والحوادث، ومنها المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر والتي تنصّ على: “يحظر على المطبوعة الصحفيّة نشر محاضر التحقيق المتعلّقة بـأيّ قـضية قبـل إحالتها إلى المحكمة المختصّة إلا إذا أجازت النيابة العامّة ذلك، وأنّ للمطبوعة الصحفيّة حقّ نشر محاضر جلسات المحاكم وتغطيتها مـا لـم تقـرّر المحكمة غير ذلك حفاظاً على حقوق الفرد أو الأسـرة أو النظـام العـام أو الآداب العامّة”.
وتنصّ المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم رقم 9 لسنة 1959 على: “كلّ من نشر أموراً من شانها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أيّة جهة من جهات القضاء في الأردن أو في رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلّفين بالتحقيق وفق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائيّة أو التأثير في الشهود الذين قد يُطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو في ذلك التحقيق أو أموراً من شانها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الشأن أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضدّه يُعاقَب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
ونشرت وسائل إعلام محليّة المقطع المصوّر، وارتكبت مخالفات إعادة النَّشر مع عناوين من بينها، “شاهدوا ماذا قال قاتل أمّه في يوم الأم”، وشارك عدد كبير المقطع المصوّر عبر وسائل التَّواصل الاجتماعيّ وتطبيقات المحادثة على الهواتف الذَّكية.
ويدعو مرصد “أكيد” وسائل الإعلام إلى الالتزام بالمعايير المهنيّة والأخلاقيّة التي تنصّ على احترام قيمة الحياة الإنسانيّة، والامتناع عن نشر تفاصيل الأنشطة الموجّهة ضد المجتمع، وعدم إظهار تفصيلات أعمال القسوة، والضعف الجسديّ، والتعذيب، والإساءة.
ويعتذر “أكيد” عن عدم نشر روابط المادة المصوّرة المنشورة حتى لا يُسهم بمزيد من نشر المخالفة.