للهِِ دَرُّ حكوماتنا السابقة والحالية ، لم تُبقِ شيئاً في هذا الوطن ، الّا ودمرته . تَوقفّْنا عن الحديث عن الفقر ، واصبحنا نتحدث عن الفقر المُدقع . تَوقفّْنا عن الحديث عن العدالة ، واصبحنا نتحدث عن التَجَبُّر وإخراس الأقلام ولو على كلمة في منشور ، وتفنّن كبار المسؤولين في تكييف قضايا ، وكَيل إتهامات لِأُناسٍ بُسطاء لتغليظ العقوبات . ولا أحد يلتفت لإنقاذ الوطن ، ولا يوجد من يقول كفى تدميراً . والمواطن ( بيتقلّى ) والمسؤول ( بيتفلّى ) .
أَرسل لي إبن العم الذي أحترمه ، لنقاء سَريرتهِ ، وإستقامةِ مَسيرتِهِ ، رَجُل المباديء والقيم النبيلة ، رفيق العمر ، الأستاذ / عبدالوهاب عطاالله الطراونه ، أرسل لي فيديو ، يحتوي على مقابلة تلفزيونية مع خبيرين أردنيين متخصصين هما :- ١ )) الأستاذ الدكتور / معتز عطية ، رئيس قسم الهندسة الكيميائية وتحلية المياة في جامعة الشارقة ، ورئيس مجموعة تحلية المياة . ٢ )) وخبير الطاقة المهندس / عامر الشوبكي . وهنا أُدمج حديثهما ، حيث قالا :— : تم تصنيف الأردن على انه ثاني أفقر دولة مائياً في العالم ، والسبب ان الأردن يعتمد على مصادر مياة سطحية كالأنهار ، او جوفية ، او سدود ، وتعتمد كلها على تساقط الأمطار ، والمعروف ان الأردن يوفر نصف إحتياجاته من المياة سنوياً فقط . وأشارا الى ان نصيب الفرد أقل من ( ١٠٠ ) متر سنوياً ، وحدّ الفقر المائي عالمياً ( ٥٠٠ ) متر مكعب . كما ان معدل الهطول المطري قلّ بنسبة ( ٤٠ – ٥٠ ٪ ) . فأصبح معدل الإحتياج ( ٣ ) ثلاثة أضعاف حجم الهطول المطري . ولهذا دخلت الأردن في المنطقة الحرجة مائياً . وأكدا انه لا حلاً جذرياً لمشكلة شُح المياة الا بالتحلية من خليج العقبة . وبما ان الأردن لا يوفر الّا نصف إحتياجاته المائية المطلوبة ، فانه إتجه الى إستنزاف المياة الجوفية .
وأضافا : ان الطاقة ضرورية لإنتاج المياة وفق الطريقة الجديدة التي تسمى ( التناضح العكسي ) ، وهذه الآلية تعتمد بشكل كبير على الطاقة ، ولتوافر المياة في البحر ، وتوافر الطاقة الشمسية في النطاق الجغرافي في جنوب المملكة ، تُعتبر هذه المنطقة كنزاً للطاقة الشمسية ، وهي الأفضل عالمياً من حيث الكلفة . وهناك مشروع في السعودية ولّد الكهرباء بكلفة (١) سنت أمريكي / للكيلو واط وهي أقل كلفة ممكن توليدها من الكهرباء على مستوى العالم . نحن لدينا الحل ، وهذا الحل يتمثل في إنشاء محطة لتحلية المياة من أجل الأمن المائي الأردني . وأكدا على ان هذا الحل يجب ان يُبنى بناءً صحيحاً ، بان يكون هذا المشروع مُلك للدولة الأردنية ، وتُشرف عليه القوات المسلحة ، وان لا يذهب لصالح شركات تسعى لجني ارباح عن طريق نظام ال BOT ، او غيره من الأنظمة . وللعلم هناك عدم إتفاق بين وزارات المياة ، والطاقة ، والتخطيط ، كل وزارة تسعى لجذب المشروع ناحيتها . دول المنطقة تنبهت لأهمية تحلية المياة قبل ( ٢٠ ) عاماُ ، ونحن ما زلنا نعتمد على المياة الجوفية التي تنقُص بمعدل ( ١ – ١,٥ ) متر سنوياً لذلك ستزداد ملوحتها . وهذا يجعل المشكلة تتفاقم بشكل اسرع ، خاصة مع التغير المناخي ، وتناقص الهطول المطري بشكل كبير ، ومنطقتنا ستتأثر كثيراً بالتغير المناخي . وأكدا ان هذا المشروع يحتاج الى إرادة سياسية ، وإدارية ، وحُسن تخطيط . وللعلم يمكن تمويل المشروع عن طريق المِنح من الخارج كون المشروع ليس له إنبعاثات كربونية ، لأنه يعتمد بشكل كامل على الطاقة الشمسية ، وهي طاقة نظيفة .
وأشار الدكتور / معتز انه يتم إستنزاف حوالي ( ٣٠٠ ) مليون متر مكعب من المياة الجوفية سنوياً . وفي ال ( ٢٠ ) سنة الماضية انخفض منسوب المياة الجوفية في الاردن بين ( ١٠٠ — ١٧٥ ) متراً ، وهذا سيؤدي الى شيئين : أولهما : نضوب جميع المياة الجوفية ، وثانيهما : تحويل جميع المياة الجوفية الى مياة مالحة ، وهي بالأساس تُشكِّل الخزان الإستراتيجي للمياة ، الذي يجب ان يستخدم فقط في الأزمات المائية ، وليس لغايات الإستخدام اليومي . يجب على الدولة الأردنية ان لا تعتمد على المخزون الجوفي ، بل بالعكس ، عليها إعادة تغذية المخزون الجوفي .
وأضاف خبير الطاقة المهندس / عامر الشوبكي بانهما قاما باعداد دراسة وقدماها الى الحكومة ، لكن للأسف هناك إصرار حكومي على إحالة المشروع على شركة إستثمارية أجنبية . يعتمد المشروع على التناضح العكسي وهي آلية رخيصة الثمن وقليلة الكلفة ، حيث ان كل متر مكعب يحتاج الى ( ٢-٣ ) كيلو واط كهرباء ، التي يمكن توفيرها من استخدام الطاقة الشمسية وهي الأرخص عالمياً . وهناك ميزة في هذا المشروع ، ان ملوحة مياة خليج العقبة ليست شديدة ومقبولة علمياً ، بينما هناك مناطق تحتاج الى ( ٥ ) كيلو واط لكل متر مكعب من المياة . أما تكلفة المشروع لينتج ( ٥٠٠ ) الف متر مكعب يوميا من مياة الشرب فهي بحدود ( ٥٠٠ — ٦٠٠ ) مليون دينار تقريباً لإنجاز هذا المشروع كاملاً . وقال المهندس / عامر الشوبكي ، للمقارنة : فإن مشروع الديسي ليس مشروعاً استراتيجياً ، ولا مستداماً ، لان مياة الديسي ينقص مخزونها الجوفي ، لذلك سنتعرض لمشاكل في السنوات القادمة بزيادة ملوحة مياة الديسي . ومشروع الديسي كلّف الأردن ( ١,١ ) مليار دينار ، ومشروع التحلية سيكلف نصف الكلفة ، وهو مشروع إستراتيجي ومستدام ، ومشروع الديسي يعطي ( ١٠٠ ) مليون متر مكعب سنوياً ، بينما مشروع التحلية سيعطي ( ٢٠٠ ) مليون متر مكعب سنوياً ، اي بواقع ( ٥٠٠ ) الف متر مكعب يوميا ، وتكلفة المتر من المياة اقل بكثير ، حيث ستكون كلفة المتر المكعب حوالي ( ٣٥ ) قرشاً واصل الى عمان ، بينما كلفة المتر المكعب من مياة الديسي حوالي ( ١ ) دينار الان ، وسترتفع الكلفة عند رفع اسعار الكهرباء . تم تقديم المشروع الى عدة جهات حكومية . لكن الحكومة تتجه لإحالة المشروع بصفة ( BTO ) ، وهناك تفاوض بين الحكومة وأربع شركات أجنبية . ومع الأسف ان مشروعاً بكلفة ( ٦٠٠ ) مليون دينار ستحيله الحكومة على احدى الشركات بكلفة تتراوح بين ( ٢ — ٣ ) مليار دينار ، وهذا سيؤدي الى مضاعفة كلفة المتر المكعب ، وربما تصل الى دينارين . وعليه سيُعتبر المشروع غير مجدٍ ، وغير إستراتيجي . عدا عن ذلك أنك تضع أمنك المائي بيد شركة اجنبية .
لو كان هناك رجال ، لتمت محاكمة كل رؤساء الحكومات السابقة ووزراء المياة منذ عقدين على هذا الإهمال الخطير . ولو كان هناك رجال يدافعون عن الوطن ، وأمنه المائي لتحركوا ليجبروا هذه الحكومة على الأخذ برأي الخبيرين الأردنيين ، لأن كلفة المشروع أقل من الربع ، وكلفة المتر المكعب ( ٣٥ ) قرشاً ، ولأخذوا بنصيحة الخبراء الأردنيين بتحصيل الكلفة كاملة من منح دولية كونه مشروعاً صديقاً للبيئة ، ولحفظ أمننا المائي بدل ان نضعه في يد شركة أجنبية . لكن لا أحد يتحرك ، وها هي حكوماتنا عطَّشونا ، بعد ان أفقرونا ، وجوعونا .