في الذكرى الـ 86 لميلاد جلالة الملك الحسين بن طلال طيَّب الله ثراه، لم تغيب صورة الحسين ونظراته الحانية عن عينيَّ أبدًا ولن تغيب، وسأبقى أراه أمامي على مدار الساعات والأيام والشهور والسنين، فهو الملك – الإنسان، البسيط، وطيب القلب، والحلو المَعشر والمُحِب للناس، الملك الذي نذَرَ نفسه لخدمة شعبه وأمته، ولم يغلق بابه أمام مُستجِير، وهو الذي لم يَعزل نفسه عن ناسه الذين تحادثوا معه مباشرة وجهًا لوجه وبكل مباشرة وصراحة، تأكيدًا على طبيعة وشِيم الهاشميين الإنسانية ونبضات قلوبهم الحنونة. هكذا أنا عرفت المَلك عن قُرب، وهكذا أيضاً كانت ابتسامته الحلوة التي أهدت الطمأنينة لي ولكل مَن عرفهُ من محبيه ومعارضيه وخصومه حتى. سيبقى جلالته في عقلي وفي قلبي ومشاعري التي تتوق إليه وإلى كلماته العذبة المُتميّزة بالرأفة والتحنّن على غيره من أبناء الوطن، وسرعة بديهته، وإدراكه أفكار الآخر بكل سهولة، واكتشافه رغباته وما يجول في عقله قبل أن يتحدث معه، فقد كان جلالته يَقرأ بسهولة ما يطوف في خواطر غيره، ويُدرك أبعادها، وهو ما جعله يستبق الأمور والحوادث ويُذلل العقبات.
التقيت جلالة الملك المرحوم طيب الله ثراه مرات عديدة، في سنواتٍ وسنواتٍ كنت أعمل خلالها صحفيًا في وكالة الأنباء الأردنية “بترا”. آنذاك كان العمل يتطلب لقاء جلالته في القصر الملكي، وفي مواقع أُخرى عديدة، للكتابة عنه وعن زياراته وتفقده للمواقع والمناطق الأردنية، ولأجل أخذ تصريحات صحفية من فِيهِ المبارك. ومن هذه الأماكن التي تردد عليها جلالته على سبيل المِثال لا الحصر، افتتاحه البرج التلفزيوني في منطقة الفحيص – كما أذكر وإن لم تخني الذاكرة.
وقتها كنت في حالة مرضيَّة خطيرة، وعاجز حتى عن المَشي الطبيعي، وأعاني من أوجاع مذهلة، وكانت رقبتي كما ظهري متحجرة ومتصلبة، وبالرغم من كل ذلك أرغمتني “وكالتي” على الذهاب في سيارة الوكالة وإلى جانبي يرافقني زميل صحفي آخر محترم ومِهنِي ما زال يعمل في “بترا”، وذلك لتغطية احتفال افتتاح البرج التلفزيوني، وفور خروج جلالته من السيارة الملكية، توجّه جلالته صوبي مباشرة قبل أن يصافح المسؤولين الذين انتظروا للسلام على جلالته. لقد فضّل جلالته الحديث أولاً مع مواطن مثقلٍ بالهموم مثلي من عامة الناس، قبل توجهه ناحية الآخرين لمصافحة وزراء ومدراء كِبار. أذكر يومها كيف أن الملك اقترب مني وربّت على ظهري وطلب مني الموافقة على أن يرسلني للعلاج “في أي مكان في العالم” أُريده أنا كما قال لي، وبضمنه الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج، وكان عليَّ اختيار البلد الأجنبي الذي يَحلو لي أن أتعالج فيه، لكنني ومن شدة خجلي وعدم توقُّعي اقتراح جلالته الكريم، انعقد لساني، واكتفيت بالتأكيد لجلالته بأنني أرى أفضلية العلاج في مستشفى داخل وطني، وزميلي الصحفي من خلفي يضربني على ظهري بخفةٍ ويُتمتم لي “إقبل الاقتراح.. وافق عليه والخ!”. حيَّاني الملك، وربّت على ظهري مُبتسِمًا وسعيدًا.
لم ولن أنسى جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في جِنان العَالم الروحي، فقد كان لي معه لقاءات عديدة، سواء في القصر الملكي، أو في مواقع أخرى متعددة بحكم عملي الصحفي الرسمي، وللحديث بقية تأتي عن ذلك.
رَحِم الله مليكنا الحسين العظيم في جنانه الأبدية، وجميعًا وكما أكد جلالة الملك عبد الله الثاني المُعظم، “نحن ماضون بعزم وثقة في المئوية الثانية، ومستمرون على خطاه ومبادئه وقِيمه، في خدمة وطننا الغالي”.
/././.