باسم سكجها
أحترم الدكتور منذر حدادين، ليس لأنه خبير مياه تاريخي أردني، ويعرف كلّ سنتمتر من البلاد، فحسب، بل لأنه أيضاً وأيضاً، عُروبي أصيل، ويكاد يغلب دكاترة اللغة العربية في استخدامه للمفردات والنحو والصرف، وأجمل ما قاله في مقابلته مع (المملكة) : وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ فَعَلَى أيّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ!
ذلك ما قاله المتنبي لسيف الدولة، محذّراً، ولم يقصّر حدادين في شرح ما يقصد، فنحن وحدنا في مسألة المياه، بلا أموال لانتاج المشاريع الكبيرة، وعلينا ضغوط للتعايش مع الشيطان، ولم يُغفل صديقنا الحديث عن سوء الادارة، وعدم مطالبتنا بحقوقنا من العدو والصديق!
مرّ الدكتور على المادة عشرين من اتفاقية وادي عربة، بسرعة، مع تأكيده على ان تنفيذها كان من شأنه إعادة انتاج كل وادي الاردن، ولكننا قصّرنا في المطالبة بالتنفيذ، والتجاهل لها أيضاً، ومرّ حدادين على موضوع سد الكرامة بسرعة، والعلاقة مع سوريا، فهو سد بُني من أجل تجميع مياه آتية من سد الوحدة، ولكن المياه لم تجر في مجاريها وصولاً الى نهاياتها!
ضمن ما قاله وزير المياه التاريخي أن في فيه ماء، وقدم امثلة على أننا قادرون على تجاوز قضية الفقر في المياه، بمشروعات محلية، ولكنه بدا وكأنه متفائل بأثر رجعي، ومتشائل بأثر مستقبلي، ومتشائم بالأثر البعيد، إذا لم نمتلك قرارنا المستقل، وحتى في هذا ظل متحفظاً، لأننا الطرف الضعيف في مطلق الأحوال!
حدادين يتحدث مثلنا، فهو بعيد عن حقيقة الملفات، تلك التي تُفصح عن نفسها فجأة، كما جرى في التوقيع على اتفاق النوايا الذي جرى في أبو ظبي، ولم يعرف الناطق الرسمي عنه شيئاً سلفاً، وحدادين يتحدث كبيت خبرة تقنية وليست سياسية، باعتباره بعيداً منذ زمن عن السياسة، ولكنه قدّم نفسه للأردنيين بالشكل اللائق.
السؤال، الآن، هو: لماذا يكون رجل مثل هذا، خاض غمار التفاوض مع العدو حول المياه، بعيداً عن مجرد استشارة؟ وخصوصاً انه يقول عن الاسرائيليين من خبرته انهم لا يحفظون عهداً؟ ولعل هذا ما بات يحرك مشاعر الاردنيين الان، بعد الغاز والألغاز المختلفة، وللحديث بقية!