د. محمود عبابنة
بكامل الدهشة والانتشاء استمعت الى وزير المياه الأردني وهو يعطي إيضاحاً عن موضوع اتفاقية إعلان النوايا مع دولة الاحتلال حول موضوع الازدهار الأزرق والأخضر “الماء والكهرباء”، وهما مترادفتان تحيلان الى مترادفتيّ “النفط مقابل الغذاء”، كما تذكرنا نبرة التحدي المقدامة للوزير في إشارته الى دولة العدو وقولهِ بلهجةٍ حازمة: “…..الكهرباء مقابل الماء”، وهذه أيضاً تذكرنا بمقولة “الأرض مقابل السلام”، التي شاعت في أعقاب حرب حزيران عام 1967، وبقي الزعماء العرب يهددون بها إسرائيل ويرددونها في خطاباتهم أمام الرأي العام وفي المحافل الدولية، ومفادها أن إسرائيل لن تنعم بالسلام والأمن والأمان إلا بإعادة الأرض السليبة، وبعد حوالي خمسة عقود فازت إسرائيل بكلا الأرض والسلام وبالإبل أيضاً، ولم تترك لنا إلا حق الشتم والتهديد والدعاء عليها بالويل والثبور في خُطب الجمعة وليلة القدر المباركة.
التصريح الذي نطق به الوزير وممثل الحكومة الموّقع على اتفاقية إعلان النوايا بعد 24 ساعة من علمه بها – على حد قوله -، كان حازماً وشجاعاً ويحبس الأنفاس، ومفادهُ “إنْ قطعتم عنا المياه، وشعرنا بالعطش فسنقطع عنكم الكهرباء ونعيدكم الى عصر الظلام”.
في الحقيقة لا نعرف كيف نستطيع أن نزوق في خطاباتنا، إنها ليست مسألة متعلقة باللغة فقط، بل تتعلق بحالة الكبرياء والمكابرة التي تعشعش في نسيجنا التراثي وثقافتنا منذ ما قبل الإسلام، ففي مقامة مكابرة الماء لا يفوتنا أن نذكر قول الشاعر العربي عمرو ابن كلثوم:
” ونشرب إن وردنا الماءَ صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطيناً ”
النُخب العربية الحاكمة وفي مجالسهم الخاصة يوجهون سهام نقدهم وتبرمهم من شعوبهم المغلوبة على أمرها، زعماً بأنها تجأر بالشكوى من كل شيء، ويتهمون هذه الشعوب بعدم إدراك الواقعية السياسية، وينسون أن هذه الشعوب تجرعت المر والذل معنوياً، حتى وصل الأمر الى تجريعهم جرعات الماء الذليلة الملموسة، ويزيد من مرارتهم ما يُدلي به خبراء المياه والجيولوجيا، عندما يصرحون أن الأردن يقبع على بحراً من المياه يكفي الأردن لمدة 500 عام، كما يشيرون الى عذوبة مياه البحر الأحمر الممتد على شواطئنا، ويقولون بغصةٍ عطشى: لماذا لا نستقدم المياه من السعودية الشقيقة، أو نزيد من طاقة الناقل الوطني المنوي استكماله من العقبة الى عمان؟!
وليكن إعلان خطاب النوايا مع العدو مقصوراً فقط على انشاء مزرعة توريد الكهرباء وتزويد دولة الاحتلال بها، مقابل ثمن الغاز الذي سيتقاضونه.
قد لا يكون هذا الحديث مقبولاً من كبار المسؤولين أو الفنيين، لكن هذا ما يدور في عقول الناس ولسان حالهم يردد مقولة عنتر ابن شداد:
” لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ بل فاسقني بالعز كأس الحنظل ”