وَحْدَة الأعيَاد المَسِيحيَّة بَاقيةٌ كَمَاَ كَانت وكَمَا هي الآن ..الأكاديمي مروان سوداح

بعد أيام عِدَّة عَلَت فيها نبرة الحديث بين عددٍ من المواطنين المؤمنين حول احتمالية وقف العمل بمبدأ توحيد “عيد للميلاد المجيد”، بتاريخ 25 من ديسمبر من كل عام، كعيد موَحَّد لمختلف الطوائف، صَدَرَ التصريح البطريركيّ عن بطريرك المدينة المقدّسة (القدس) صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثّالث، والذي وضع النقاط على الحروف، وبالتالي أوقف النقاش غير الموضوعي بهذا الصَددِ.
جاء في تصريح الإدارة الرّوميِّة الأرثوذكسيِّة الكنسية بأنّ التّعميم البطريركيّ “السابق” قد “فُسِّر بعيداً عن مَقصدهِ.. ورَصدنا توظيفاً للتعميم في غيرِ مَكانه، لذا وجبَ توضيحُ هذا الشأن”. أكد التصريح الذي سُعدنا به على المحافظة على تقليدِ الكنيسة الرّوميَّة الأرثوذكسيِّة بإقامة “الصّلواتِ الّليتورجيّة”لعيدِ الميلادِ المجيدِ في السّابع من كانونَ الأوّل / ديسمبر من كلِّ عام بحسبِ التّرتيبِ الّليتورجيّ للأعياد الكنسيّة، حفاظًا على وَحدَةِ الكنيسةِ المقدسيَّة”، مُشدِدًا في الوقت نفسه الموقف الكنسي التاريخي بأن هذا “لا يُبدِّلُ شيئًا من عادات الكنيسة المُتَّبَعَة منذُ اتِّفاقِ سنة 1975 في الأردن”، حيثُ يبقى “الاحتفال بعيدِ الميلادِ المجيدِ اجتماعيًّا في الخامس والعشرين من هذا الشهر، وتفتحُ كلُّ كنائِسِنا أبوابَها أمامَ المُصلّين لإقامَةِ الصّلواتِ الاحتفاليَّة، وهذا التَّعميمُ لا يُغيِّرُ أيًّا من العاداتِ الكنَسيَّةِ المُتَّبَعةِ سنويًّا”.
ودعا غبطة البطريرك أبناء الوطن والمؤمنين إلى مراجعة “دار المطرانيّة” للاستفسار وأخذ المعلوماتِ الدّقيقة، قبل تداولِها ونشرِها عبر مواقع التّواصُل الاجتماعيّ”.
لفت انتباهي هذا التصريح بشدة لِمَا فيه من معانٍ عميقة وأخرى تنتقد التَسَرُع لدى العامة في توجيه النقد وإطلاق الأحكام السلبية وغير الصحيحة بحق الآخر دون توافر براهين وحقائق، ذلك أن عددًا لا يُستهان به من مواطنينا يَعمدون أحيانًا إلى نشر “الأخبار!” بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي حيث لا حَسيب ولا رقَيب، دون أن يحسبوا حساب الخسائر والأضرار الاجتماعية التي قد تؤدي إليها مثل هذه التصرفات التي هي في الواقع خطايا يتسببون بها لكونها تشتمل على كمٍ كبير من السلبيات والابتعاد عن الدِّقة في الفهم والتحليل الموضوعي للحدث، والأكثر خطرًا هو تدخّل البعض في النقاش بالحقل الديني دون رجوعهم إلى المعلومات السديدة وإلى الإدارات الروحية المُعتمدَة محليًا والمَصَادر الأصلية للأخبار.
وبما يخص الأعياد الدينية، نلاحظ على مِثال ما جرى مؤخرًا من ترويج معلومات مغلوطة بهذه المسألة، إنما يَعني أننا أمام حالة خطرة من التَّسرّع في إطلاق الأحكَام، والأخطر هو نقل أنصاف الحقائق لا مجموعها بصورتها المتكاملة، ما كاد يؤدي، لا قدَّر الله، إلى وضع غير محمود بين الطوائف والمؤمنين المسيحيين في مجتمعنا الذي نَحسَبَهُ مٍثالًا يُحتذى للعَالَم في التأني والعقلانية، فنحن نعيش في وطن السماء الذي اختاره الله من بين كل الأوطان الأخرى، وبالتالي علينا أن نكون صورةً للحقيقة الناصِعة التي تأخذ بها البشرية، لا العكس.
شكرًا جزيلًا لبطريرك المدينة المقدَّسة، صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثّالث الذي وضع النقاط على الحروف في تصريحه، وحَافظ بالتالي على وَحدَة الأعياد المسيحية واللُحمَة الاجتماعية والتوافق والمَحبة بين أبناء الله العلي القدير.