نِظَامي الكَنجوي.. نَصير الكَلمة والعَقل والمَحبة .. يلينا نيدوغينا

أصحاب الفِكر والمبادئ يُخلدهم التاريخ مدى الدهور، فهؤلاء أنجزوا أدوارًا ونقلات أساسية في أنشطتهم الواعية وأعمالهم الهادفة والمتواصلة بعيدًا عن المصالح الشخصية التي لم يلتفتوا إليها من أجل سعادة الشعوب والأمم، ولفتح كوى جديدة أمام العَالَم كله وبكل لغاته وقومياته وألوانه لتسود السعادة الجميع، وتعلو فوق رؤوسهم. واحد من الفطاحل العالميين الأهم والأشهر هو “نظامي الكَنجوي”، المُفكِّر والفليسوف والأديب والشاعر الذي يُحتفل هذا العام بالذكرى الـ880 لميلاده، ما جعل رئيس الدولة الأذربيجانية إلهام علييف يوقِّع على مرسوم رئاسي باعتبار 2021 “عام نظامي الكَنجوي”.
ذكرى نظامي الكَنجوي تَحتَفي بها بلدان الشرق والغرب، وهي التي تستعيد نتاجاته الغزيرة نشرًا وتعريفًا وتدريسًا في جامعاتها ومعاهدها ومدارسها، اعترافًا بأفضال هذا النجم الساطع في سماء أذربيجان وبلدان الشرق الواسع، ناهيك عن دول الغرب التي ما توقفت تهتم به عبر الدهور لتعميق معرفتها وإدراكها للوقائع والعقلية الشرقية المُبدعة، والتي فتحت أمام بني آدم فضاءات وسيعة لتأكيد إنسانية الإنسان، وضرورات وَحدته في بوتقة العقلانية وسيادة المحبة والخير والفوائد والمنافع. مؤلفات نظامي الكَنجوي تشهد على توجهاته وإيمانه الذي لم يتزعزع في هذه الشؤون، فهو الذي وُلِد في أذربيجان، وتربى على مُثُلِها وفضائلها ومبادئ التضامن الإنساني التي يتمتع بها الشعب الأذري. ولهذا، أكدت منظمة “اليونسكو” الهوية القومية الأذربيجانيَّة لنظامي الكَنجوي، وصنَّفتهُ ضمن الحُكماء والأُدباء والشُعراء الأذربيجانيين المشهورين، الذي عاش في مسقط رأسه “كَنجة”، التي كانت أهم المراكز الثقافية في العصور الخوالي. هناك، قدّم نظامي الكَنجوي للبشرية لآلئ متفرِّدة من فن حَبك المفردات التي أثْرت تاريخ الفِكر الفلسفي والاجتماعي والفني الجمالي العالمي. شاعرنا وضع الأساس لمدرسة أدبية أُمميَّة مترامية الانتشار جغرافيًا، ولهذا نُدرك ألأسباب التي أفضت بالشعب الأذري للاهتمام به، وتشييد تماثيل له في “باكو”، وروسيا أيضًا حرصت على ذلك فصنعت تمثالًا له يَمثُل صَرَحًا شامخًا في سانت بطرسبورج (لينينغراد سابقًا)، عاصمة الثقافة السلافية والقيصرية القديمة، إضافة إلى “روما”، وضريحه في “كَنجة”، كما تم تسمية معهد الأدب التابع للأكاديمية الوطنية الأذربيجانية للعلوم والمتحف الوطني للأدب الأذربيجاني باسم نظامي الكَنجوي، وفي جامعة أكسفورد البريطانية يعمل مركز نظامي الكَنجوي بتألّق.
أستَذكِرُ هنا الحفل القديم بالذكرى الـ840 لميلاد نظامي الكَنجوي، إذ لفت انتباهي ما جاء في التصريحات ا الأَخَّاذَة والخَلاَّبَة عن نظامي للمرحوم حيدر علييف؛ أحد أبرز الشخصيات في الاتحاد السوفييتي؛ في مجلة “أذربيجان السوفييتية اليوم”، العدد السادس (56)، لسنة 1982، والتي صدرت سابقًا في باكو، عن “الجمعية الأذربيجانية للصداقة والعلاقات الثقافية مع البلدان الأجنبية”، فقد تم آنذاك افتتاح عيد الشِّعر أمام ضريح نظامي في مدينة كيروف آباد (كَنجة حاليًا). في ذلك الوقت تحدث حيدر علييف السكرتير الأول للحزب (بدرجة رئيس جمهورية) قائلًا: إن هذه الذكرى لفيلسوفنا نظامي الكَنجوي هي عيد لكل البلاد السوفييتية وقومياتها وليس للشعب الأذربيجاني وحده، كما تناول مهمة “توسيع نشر مؤلفات هذا الشاعر العظيم وترويج أدبياته وأفكاره وفلسفته في الاتحاد السوفييتي وخارجه”، مؤكدًا خلال استقباله فريقًا كبيرًا من الضيوف السوفييت والأجانب على “أن الاحتفال بالذكرى الـ840 لميلاد الشاعر والمُفكِّر الأذربيجاني الموهوب نظامي الكَنجوي، الكلاسيكي والأديب العالمي، هو العيد الكبير للثقافة السوفييتية المتعددة القوميات. وللاشتراك في الاحتفالات اليوبيلية بذكرى نظامي وصلت إلى أذربيجان الشخصيات المرموقة في الأدب والفن من الجمهوريات السوفييتية الشقيقة كافة، والضيوف الأجانب، وتحوَّل اليوبيل إلى عيد ساطعًا عام للشِعر وللأُممية وصداقة الشعوب. وأكد حيدر علييف: نحن بذلك نزيد من رفع أهمية الأدب، ونضمن التطبيق العملي في الحياة للمُثلِ العُليا التي تَغَنَّى بها وأوصى بها نظامي لخلفِهِ، والتي لا تزال تحتفظ إلى اليوم بأهميتها.
ـ أقوال عن نظامي الكَنجوي في مجلة “أذربيجان السوفييتية اليوم”.
ـ الأديب السوفييتي الشهير، رسول حمزاتوف: “إن شِعر ابن الشعب الأذربيجاني البار – نظامي، قريب وعزيز لدينا جميعًا”. أتمنى أعلى الذُرى للأدب الأذربيجاني، والسعادة للشعب الأذربيجاني”.
ـ علي سردار جفري، شاعر الهند وشخصية عامة: الموضوع الخالد للحب الظافر، وأفكار الحرية، والتأكيد على حق الإنسان في السعادة قد وجد الانعكاس له بقوة عظيمة في مؤلفات نظامي”.
ـ تحسين سراج، شاعر من تركيا: لقد قَدَّم نظامي بحياته وإبداعه مِثالَا ملحوظًا على كيفية وُجوب العيش وفقًا لقوانين الإنسانية والأُخوَّة والسلام. الآن عندما يُحاول أعداء السلام تحويل الحياة إلى جهنم بواسطة القنبلة النيترونية تنمو بشكل أكبر أهمية إنسانية نظامي وحُبِّه للسلام”.
ـ نيقولاي غريباغييف: أديب وحائز على جائزة لينين، وبطل العمل الاشتراكي: إننا نُبَجل أولئك الذين أصبحت مواهبهم الأدبية منارةً على الطريق الصعب للبشرية وانتصاراتها، واكتشافاتها، وتحولاتها الاجتماعية. ويأتي إبداع نظامي، والنور الخالد لعبقريته الأدبية وروحه بين أسطع هذه المَنائر”.
*كاتبة وإعلامية روسية / أُردنية.