الرؤية الإستراتيجية الروسيَّة والعَالَم العَربي (2).. الأكاديمي مروان سوداح

عَكَسَ اجتماع “مجموعة الرؤية الإستراتيجية: “روسيا – العَالَم الإسلامي”، الذي عُقد هذا العَام تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين المَلك سلمان بن عبد العزيز آل سُعود، في مدينة جُدَّة، تحت شعار “الحوار وآفاق التعاون”، الأهمية الكُبرى التي توليها القيادة السياسية الروسية، برئاسة الزعيم فلاديمير بوتين، للعلاقات والصِّلات في شتى الفضاءات مع المَمْلكَة العَربيَّة السعودية وبلدان العَالَم العَربي، الواسع والإستراتيجي المَوقع والدور الدولي.
اجتماع مجموعة الرؤية الإستراتيجية الروسية، البوتينية، في السعودية، هو تأكيد مُتجَدِّد من موسكو على أن عاصمة الثلوج ما تزال وستبقى تَسْعَى إلى التَضَافَرِ العميق مع السعودية قيادةً ودولةً وشعبًا، ومع جميع العَرَب أيضًا، لتدعيم مَسيرة التفاهم المُشترك في دُنيا تعج بالمشكلات، والصراعات، والحروب، والنزاعات والأوبئة الجديدة والمتجددة، في سبيل إيجاد المزيد من القواسم المشتركة التي تؤدي إلى تنسيق مشترك وتقارب و/أو تماثل في المواقف والتفعيلات في الشؤون ذات الصِّلة بالمشتركات وبالإقليم العربي المُمْتَد على قارتي آسيا وإفريقيا، وروسيا التي تنتشر أيضًا على قارتين هما آسيا وأوروبا، وتحد القسم المُتجمِّد الشمالي لأمريكا – ألاسكا الروسية، سابقًا.
تأسست “مجموعة الرؤية الإستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي”، في عام 2006، تحت إشراف يفغيني ماكسيموفيتش بريماكوف و مينتيمير شاريبوفيتش شايميف، وذلك بعد انضمام روسيا الاتحادية إلى “منظمة المؤتمر الإسلامي” بصفة عضو مراقب، وفي كل مرة يُعقد فيها لقاء للمجموعة في بلد ما، يوجِّه الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين رسالة ترحيب له. وتضم المجموعة عشرات الشخصيات الحكومية والعامة من الدول العربية والإسلامية، والعديد من رجال الدين الكِبار في الشرق الإسلامي، وتناقش اجتماعات هذه المجموعة في أجواء من الثقة والصراحة، المشاكل الأكثر حدة في العلاقات الأُمَمِيَّة، الحالة في الشرقين الأدنى والأوسط، ومُجْمَل العلاقات بين روسيا والدول العربية والإسلامية.
تعتمد الرؤية الإستراتيجية الروسية للعَالَم العَربي والعَرب على تاريخ طويل من التعامل الثنائي الروسي العربي منذ سنوات الإدارة القيصرية لروسيا، وما أعقبها من حُكم اشتراكي طويل الأمد، إذ كانت العاصمتان السابقة بطرسبورغ والحالية موسكو، على الدوم إلى جانب المَشرق برمته فِعلًا وقولًا، لِكَونِ روسيا بتاريخها وطبيعتها ومناهجها وعقول شعبها المُوَحَّد وقيادته تولي المَشرِق الجيوسياسي جُلَّ عنايتها وتَغْتَني بِعِطْرِ المَحبَة له، وهذا الأمر وجَدَ انعكاسات واسعة له على أرض الواقع الروسي، الذي بادر إلى إعمال فكرة “طريق حرير روسي”، يُسمَّى “أرباط” (من الكلمة العربية “رَبَطَ”)، يربط العَرَب بناسهم وتجارتهم بموسكو وروسيا ودُروبها وقومياتها الكثيرة، إذ لكل عِرق فيها لغته المَنَاطقية، أمَّا اللغة الروسية فهي لسان التفاهم الجَمَاعي والتضامن الوطني. تقول صفحات التاريخ، بأن روسيا تميزت بالحِراك المَلحوظ للغاية والتآزر في مجال الإيمان الديني والمبادئ الإنسانيَّة مع العرب بمسلميهم ومسيحييهم، وكانت وما زالت تتطلع وعبر كل مَطويَّات الزمن بمحبةٍ وشوقٍ صوب القدس وبيت لحم والأردن ومَكَّة المُكرَّمَة، فتلك البلدان هي الحاضنة والمركز الأبدي للكلمة الإلهية، ويتَحلَّق ناسها حول أشواق السَّمَاء، ولأنها تعيش في سلام اجتماعي وشعبي ضمن تعددية الأديان والأعراق فيها، وتَغتني بقسماتها الآسيوية والشرقية ومنهجها العقلي، وتُفاخر بطبيعة الإدارة والسياسة الناجعة فيها، بل وترغب أولًا، وقبل كل شيء، بتوفير عُمق إستراتيجي شقائقِي وصدَاقي لها في أركان أشقائها وأصدقائها من الأُمم المَشرِقيَّة، وفي مقدمتها الأمة العربية ولغتها العربية العريقة الحاملة رسائل السماء والقرآن الكريم والإنجيل المُقدَّس.
شارَكَتْ في اجْتِمَاعِ جُدَّة التاريخي كما صَدَرَ عن “اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا)”، طائفة واسعة من المسؤولين والعُلماء والمفكِّرين من روسيا ودول العَالَم الإسلامي، بحثوا القضايا المشتركة بين الجانبين، وتعزيز التعاون في مواجهة التحديات القائمة، في إطار الجهود الروسية الموصولة والمبذولة لاضافات تؤصِّلُ علاقاتها بالعَالَمين العَربي والإسلامي، وفي إطار مبادرة المَملكة العَربية السعودية الشقيقة للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، حيث استضافت المَمْلَكَة هذا الاجتماع للمرة الثانية، بعدما استضافت دورته الرابعة في جُدَّة في عام 2008.
وفي جانب موازٍ ولافت للأنظار، الاهتمام والانْسِجاَم الثنائي الروسي السعودي المتواصل بما يخص اللقاح الروسي والكفاح لاستئصال كورونا، إذ أعلن نائب رئيس “مجموعة الرؤية الإستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي” فاريت موخاميتشين، أن قرار القيادة في المَمْلَكَة العربية السعودية برفع القيود عن دخول الأجانب المحصّنين باللقاح الروسي “سبوتنيك “، جاء نتيجة للتفاعل المكثّف من خلال العلاقات الثنائية، فضلاً عن تكثيف الاتصالات الروسية ذات الطبيعة الإنسانية مع العَالَم الإسلامي ككل”. إلى ذلك، جدير بالذكر أنه خلال 2020-2021 عَقدت مجموعة الرؤية الإستراتيجية سلسلة من الفعاليات، حيث تم طرح موضوع مزايا اللقاح الروسي عدة مرات، وقد توّجت الأنشطة المذكورة في هذا الاتجاه بالاجتماع السادس لمجموعة الرؤية الإستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي”، الذي عُقِد في مدينة جُدَّة السعودية.
*ناشط في مجموعة الرئيس فلاديمير بوتين للرؤية الإستراتيجية.