هل نحن شعب وصلنا إلى هذا الحد من التوتر؟؟ لا نستوعب بعضنا، لا نؤمن بالتعددية، لا نحترم الرأي الآخر، ما الذي داهمنا؟؟ كنا شعب هادئ متزن، تحكمنا القيم، لا نعتدي على الزميل أو الرفيق أو الشريك، نحتكم لكبارنا، نسمع نصائحهم، نرتوي من خبراتهم، نخجل من الوقوع في الخطأ والخطيئة.
لدى الهيئة العامة في نقابة المهندسين، أكبر النقابات المهنية، وأعرقها، اجتاحها التوتر والتصادم وعلو الصوت، ليتفوق عليها مجلس النواب بالإنحدار نحو العراك والاشتباك بالأيدي، بشكل لا يقتصر الأذى على أطراف العراك، بل شمل مؤسسة مجلس النواب برمتها، وأساء لشعبنا الذي ولّد هكذا نواب ومنحهم حق التمثيل، باعتبارهم قدوة، طليعة، تُشرع لشعبنا قوانينه، وصياغة حياته.
نحن في القرن الواحد والعشرين، ما زال البعض يرفض مساواة المرأة بالرجل، مع أن هذا من بديهيات الكرامة والحقوق والمساواة، فيتم التصادم على رفض إضافة تسمية الأردنيات بالتساوي مع الأردنيين في الحقوق والواجبات، كأول مادة في التعديلات الدستورية المقترحة.
ولدى الهيئة العامة لنقابة المهندسين يتشنج البعض ويشتد الاصطفاف وينفجر الاجتماع، وها هي الهيئة العامة صاحبة الولاية حسمت القرار بالأغلبية، لصالح المعارضة ضد تعديلات القانون، رغم الحاجة والضرورة لهذه التعديلات أو لبعضها.
نفهم أن الوضع الاقتصادي صعب، يعكس نفسه على حياة قطاعات الأغلبية من الأردنيين، وحتى أولئك المرتاحين، لا يستطيعون التهرب من تأثير المحرومين ذوي الدخول المحدودة والاحتياجات الملحة لمعيشتهم واستقرار حياتهم.
ولكن غير المفهوم أن القطاعات الأقوى أو الأوعى، أو الأكثر استقراراً في وظائفهم وأوضاعهم الاقتصادية الاجتماعية، أي ما يُطلق عليهم الطبقة الوسطى في المجتمع تتحول لتكون هي عنوان الصدام والتوتر والمواجهة مع بعضها البعض، وأن ممثليها لا يملكون قدرات الاتزان لضبط سلوكهم وطريقة حوارهم.
لا شك ان قوى الشد العكسي قوية نافذة، رافضة التسليم أن سلوكها وأنظمتها وقوانينها تحتاج للتعديل والتبديل باتجاه الانفتاح والعصرنة وقبول التعددية واحترام الآخر، طالما أننا في خندق واحد وفي إطار هويتنا الوطنية الأردنية الواحدة، ونحتكم إلى القانون ومرجعيتنا الدستور الذي صان نظامنا وطريقنا وخياراتنا.
قوى الشد العكسي ترفض التطوير والتقدم وخيارات شعبنا الديمقراطية، لأنها راكمت مكاسب رافضة المس بامتيازاتها، لا ترى أبعد من حوصلتها الضيقة، لا تنظر إلى التقدم الذي يجتاح بلدان الخليج العربي، والتطور في شمال إفريقيا العربي، وحجم التحديات التي تواجهنا وتفرض علينا الوحدة والتماسك.
معابة ما حصل في نقابة المهندسين، ومعابة أكبر ما حصل في مجلس النواب، لعلنا نفيق، نتعظ، ونفهم ما نحن فيه وإلى أين سنتوجه، وما هي الخيارات المتاحة أمامنا؟؟.