الدستور.. عشيقتي فارس الحباشنة
اليوم تدخل «الدستور» عامها الخامس والخمسين. رحلة طويلة حقا، وسنوات مثيرة و منيرة من عمر الصحافة الاردنية في ان معا. مسيرة طويلة من عمر الدولة الاردنية التي تحتفل هذا العام بمؤيتها .
اسماء كبار ولامعة عملت في الدستور وتخرجت من مدرستها، ومر على ورقها وحبرها كتاب صحفيون ومحررون . كانت جزءا لا يتجزا من السياسة والثقافة الاردنية اليومية.
الدستور صحيفة المقاهي، وانتشارها لم يكن عاموديا بل افقيا. صحفية كل الاردنيين، وليست محسوبة على جهة او طرف او اتجاه ايديولوجي ما.
شارع الجامعة الاردنية كان وما زال يعرف جغرافيا مبنى «الدستور». والمدن والمجتمعات المتحضرة والمتقدمة هي التي تعرف اماكنها باسماء صحف، ومن ذاكرة الثقافة والفن والادب والتاريخ.
انضممت الى اسرة الدستور عام 2007، قادما من الصحافة الاسبوعية، وجولتي الصحفية في الاسبوعيات كانت قصيرة ولم تتعد حاجز خبرة العام الواحد.
حواي 13 عاما في الدستور مرت برمشة عين. حتى لم نكد التنبه، والصحافة انشغال وخوض معارك ومواجهات ومواكبة احداث، وتحايل على الصعوبات وصناعة للامل وتحد للخيبات، وهذا ما يفرضه واقعنا الاردني الشائك والمخربط .
واذكر من اول يوم عملت في الدستور، وبعدما التقيت رئيس تحرير الدستور الراحل الدكتور نبيل الشريف، وخرجت من مكتبه لاكمال رحلة الانضمام الى اسرة الصحيفة، وتوجهت الى مكتب الزميل احمد شاكر -الله يعطيه الصحة والعافية – ومن اللقاء الاول قال لي ابو شاكر : يبدو انك تحب السير عكس الريح، واقرا في كلامك وتعليقك مواقف مشاغبة.
في الصحافة لا اومن بالالقاب، الصحافة مهنة المتاعب، مشوراها لا ينتهي الا بالموت .. عملت مندوبا ومحررا وانتقلت الى اجراء المقابلات والتحقيقات. وعلمت خارج الدستور مقدما لبرنامج حواري سياسي «عين الحدث « على قناة الاردن المغلقة حاليا.
حلمي ان اكتب، وان اعيش لاكتب. وثمة امور وقضايا كثيرة لا يتوفر الوقت للكتابة عنها، ولكن اللحظة المناسبة ستاتي يوما ولا بد ان تاتي. اريد فقط ان اقرا واكتب. وهذا هو عشقي الابدي. نعم، احب هوايات اخرى، ولكني لا اقدر على التخمين والتفكير باني ساكون يوما خارج قفص الصحافة وحدائقها.
انا عملت في الصحافة مؤمنا بهواجس دائما تسكني حول : الانسان والحرية والمجتمع والدولة والاخر والتعددية. ومؤمنا ان الانسان المفكر سواء كان صحفيا او شاعرا او اديبا او سياسيا او باحثا من واجبه ان يكسر تابوهات المالوف، ولا يقرا الواقع الساكن من زوايا قريبة، فكلما اطلت النظر من بعيد وتعمقت في التفكير وما ورائية فانت تسير وتتصادم مع امواج الحقيقة.
و انا اصطلح تسمية ذلك باعادة « تعريف الصحافة» . فما تعانيه الصحافة اليوم ليس جديدا، بل قديما وموروثا. من نماذج لصحافة الابتزاز والابتذال وصحافة التصفيق، وصحافة الوشايات، وصحافة مندوبي المبيعات والكول سينتر.
معركة تعريف الصحافة وتطيهرها وحماية المهنة طريقها ليس مزروعا بالورد، وما كان في يوم من الايام كذلك. نعرف انك تصنع كل يوم اعداء وخصوما جددا، وتعرف انك في حكم ظروف معقدة وصعبة سياسية واقتصادية وثقافية ومهنية تحارب وتواجه معيقات ومعطلات كثيرة، حروبك قد تكون دينكوشتية.
الراي العام مشتت ومفتت، والمركبات السياسية جامدة ومعطلة ومركونة في غرف التبريد، ولغة الحوار مفقودة ومعدومة من قاموس الجميع دون استثناء. والسائد في المجال العام خطاب شعبوي، وانكسار وتراجع لخطاب الوعي. وثمة ما يفرض عليك التعامل مهنيا بحساسية مع ردة وتشنجات وعصبيات الشارع والراي العام.
الدستور تحاول اليوم جاهدة الصمود والاستمرار، وتحافظ على رصانة وتوازن مهني وسياسي في الطرح والتعامل مع القضايا والملفات الساخنة والطارئة اردنيا واقليميا.
ولست لاني من اسرة الدستور. ولكن لابد من اعتراف وقول لحقيقة ما، بان الدستور هي الصحيفة الاولى في الاردن وفي المقدمة بلا منازع. وان الدستور من الصعب والمستحيل ان تموت وتندثر.
يعني الدستور تحتفل اليوم في عيدها 55، ويقود رئاسة تحريرها الصديق الزميل مصطفى الريالات وفريق من الزملاء الذين يحبون الصحيفة ومؤمنون بان موت الدستور والصحف اليومية الكبرى من سابع المستحيلات. واننا ملزمون مهنيا ووطنيا واخلاقيا للنضال حتى اخر لحظة من اجل ديمومة وحماية حياة الدستور وغيرها من الصحف.