غُبار كثيف في سمائنا.. لا تناموا على حرير!

أسامة الرنتيسي –

يوميا؛ هناك ملف يُقذف في الفضاء العام الأردني، يخطف الأنظار والتعليقات والمتابعة.
لم يكن إعلام الديوان المَلِكي الأردني معتاد على دحض كل رواية تتعلق بالأسرة المالكة وتحديدا الملك، لكنه بالأمس اضطر إلى بيان تفصيلي ردا على تقرير غربي حول حسابات خاصة للملك في بنك سويسري.
لم نكن معتادين أن ترتفع الأصوات والخشونة مع رجال الأمن وإطلاق النار عليهم عندما يعتقلون معارضا مثلما وقع في عوجان قبل يومين، مع الرفض الشديد لكل موجبات الاعتقالات التي تتم، وهي بالمحصلة لا تُنهي مشكلة بل ترفع منسوب التأزيم أكثر.
في الفضاء العام الأردني فيديوهات خطرة، بخطاب عالي السقف، تتوزع عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من النار في الهشيم، قد تصل الى هاتفك عشرات المرات من أصدقاء مختلفين خلال أقل من ساعة، ما يؤشر إلى أن عليها حملات ترويج كبيرة.
ليست الخطورة في الفيديوهات هذه وخطابها الخشن، لكن الخطورة في النظرة الاستعلائية لمثل هكذا أفعال، وأن حاضري هذه الوقفات او المسيرات لا يتعدون العشرات او المئات، ولكن بحسبة بسيطة، فإن هذه الفيديوهات تصل إلى معظم الأردنيين بالوسائل كافة، خاصة أننا شعب مغرم بالتكنولوجيا والانترنت والهواتف الخلوية الذكية.
طبعا؛ لو كان الأداء الحكومي مقنعا، والأداء النيابي معقولا، لما شاهدنا هذا الغضب والكلام القاسي الذي يتجاوز كل تقاليد المعارضة الأردنية، والموقف الشعبي الأكثر حرصا على أمن البلاد وسلامتها، لكن نظرية الضغط يولد الانفجار على ما يبدو غائبة عن عقلية صناع القرار، الذين يتوهمون أن المواصفة الأردنية للاحتجاج لا تتعدى وقفة مئات الأشخاص، وإطلاقهم كلمات غاضبة، وبعد ذلك ينتهي كل شيء.
القراءة الأمنية في الدولة العميقة ترى أن هذه الأمور تحت السيطرة، ولا أعتقد أن أردنيا واحدا يحب أن يرى الفوضى في شوارعنا، لكن إذا كان الاعتقاد أن السيطرة على الأحزاب السياسية وقطع ألسنتها، وتحنيط الإخوان المسلمين عند درجة الرشد الكامل والنوم في البيوت، وتزبيط الحالة البرلمانية الى درجة أن الغضب الشعبي متحامل على النواب أكثر منه على الحكومة، تعالج أي تطورات غير متوقعة.
الأوضاع الداخلية مرتبكة وقلقة، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية في صعوبة لم يشهد الأردنيون مثلها في أكثر المراحل حلكة، لهذا تحتاج المرحلة الى وقفة جادة وحقيقية، وتحتاج معالجة القضايا الفرعية الأمنية وغيرها إلى عقل بارد، من دون استعراض، وأن يكون أساس العمل توحيد الناس، وتماسك الجبهة الداخلية، وهما بكل الأحوال أهم بكثير من أي حلول اقتصادية ترقيعية.
توحيد الناس داخليا على مجمل القضايا الوطنية، وفتح حوارات جادة مع قوى المجتمع جميعها، المؤيد منها والمعارض، (وليس مع سجلات المحافظين) قضية في غاية الخطورة، لأن ترك التفاهم الداخلي على القضايا الوطنية، من الممكن أن يكون بوابة عبور لفوضى لا أحد يريدها، ونزاعات لا أحد يعلم إلى أين تصل مداياتها.
الحوار مع قوى المجتمع ضروة وطنية، لأننا لسنا في بحبوحة توزيع الغنائم، فالأوضاع صعبة، وأصعب مما يتخيل بعضهم، والصعوبة ليست مقتصرة على الجانب الاقتصادي والمعيشي للناس، بل تتعدّى الى الشعور بعدم الاطمئنان والأمان على كل شيء.
الدايم الله…..