المركز العربي”: صدور كتاب “رفقة عمر: مذكرات انتصار الوزير (أم جهاد)”

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “رفقة عمر: مذكرات انتصار الوزير (أم جهاد)” في سلسلة ذاكرة فلسطين، وهو من تأليف انتصار الوزير. يقع الكتاب في 280 صفحة. ويشتمل على إرجاعات ببليوغرافية وفهرس عام.
تروي انتصار الوزير (أم جهاد) سيرتها ورحلة نضالها مع زوجها ورفيق دربها خليل الوزير (أبو جهاد)، وتوثّق بدايات تأسيس حركة فتح، كما عاشتها واطّلعت عليها، حيث عايشت تحولات ومنعطفات في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية. وهي التي أسست أول خليّة نسائية لحركة فتح، وتولّت قيادة قوات العاصفة مؤقتًا. ورحلت وتنقّلت حيثما تطلّب الواجب النضالي، فطبعت البيانات ونقلت الرسائل والسلاح، وشاركت في معسكرات التدريب. توثق أم جهاد كذلك تجربتها في العمل النسائي، وتأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وكيف استطاعت المواءمة بين دورها أمًا وزوجة ومناضلة، وصمودها في جميع المراحل الصعبة، ولعل أقساها اغتيال رفيق دربها أمام عينيها. تمكّنت أم جهاد أخيرًا من العودة إلى فلسطين في تموز/ يوليو 1994، بعد اثنين وثلاثين عامًا أمضتها في الغربة والمنافي.
البدايات
تروي أم جهاد قصة لقائهما الأول، وهي في الخامسة من العمر، حين ذهبت مع أمها في عام 1946 إلى الرملة لزيارة عمها إبراهيم الوزير، والد أبو جهاد. فتقول: “مش متذكرة من الرملة غير خليل”. إنها عبارة شديدة الكثافة ومجللة بالحياء، لكنها ذات أبعاد كاشفة. وفي ما بعد، في غزة، اعترف لها بحبه ليتزوجا في عام 1962. وتعترف: “كنتُ أفتقده وأشتاق إلى رؤيته”، ثم تنثني إلى تذكر “اللحظات الحلوة التي عشتُها مع خليل”، وتنبش تفصيلات “سعادة اللقاء بعد طول غياب”، بينما كانت رسائلهما تزحم البريد بين غزة والكويت.
تسرد أم جهاد حكاية الشهيد خليل الوزير منذ وصوله مع عائلته من الرملة إلى غزة في عام النكبة، وكيف عمل في بيع أدوات الحلاقة على بسطة صغيرة، كالشفرات والمقصات، ثم انتهى إلى العمل لدى بائع قماش، وما إن جمع بعض المال حتى اشترى كاميرا تصوير، وراح يصوّر حياة اللاجئين الفلسطينيين وأطفالهم وخيامهم ويرسلها إلى الصحف ووكالات الأنباء والمؤسسات الدولية. وهذه التفصيلات جديدة إلى حد بعيد حتى على مَن عرف سيرة طفولة أبو جهاد. وتبرز أهمية هذه المذكرات في أنها توثق بدايات تأسيس حركة فتح كما عرفتها أم جهاد، وهي رواية تُضاف إلى كثير من الروايات الأخرى، بحيث يُصبح في إمكان أي مؤرخ حصيف أن يستخلص منها كلها رواية تقارب الحقيقة وتقترب مما حدث في عام 1959، عام التأسيس السرّي لحركة فتح، وما تلاه من أعوام، على أيدي نفر من الشبان، أمثال ياسر عرفات وخليل الوزير وعبدالله الدنان وعادل عبدالكريم وفاروق القدومي ومنير سويد وصلاح خلف ومحمد يوسف النجار وسليم الزعنون ومحمود الخالدي وحسام الخطيب، وآخرين تزدحم بأسمائهم صفحات الكتاب؛ وقُيّض لهذه الحركة أن تطلق الرصاصة الأولى في مسيرة التحرر الوطني، وأن تملأ سماء العالم العربي بشعلة الكفاح في سبيل عودة الفلسطينيين إلى أرضهم، وأن ترفع شخصيتين منها، ياسر عرفات وخليل الوزير، إلى مصافّ كبار قادة التحرر الوطني في العالم، إلى جانب غيفارا ونيلسون منديلا والجنرال جياب وهوشي منه وفيدل كاسترو.
تنقلات ومواجهات وحروب
تحدثت أم جهاد عن رحلة التنقل ما بين بيروت والقدس وعمان، وزيارة مخيمات اللاجئين، ثم الانتقال إلى الكويت حيث عرّفها أبو جهاد بياسر عرفات؛ “في 9 أيلول/ سبتمبر 1962، غادرنا الأردن إلى الكويت، وعند وصولنا، وأمام سلّم الطائرة، كان يقف المهندس ياسر عرفات في استقبالنا، مدّ يده باسمًا للسّلام، مرّحبًا بالعروس، قال لي خليل: ’هذا هو الأخ ياسر عرفات الذي حدّثتك عنه طويلًا‘. فقال الأخ ياسر عرفات: ’إنني أعرفك جيدًا، لقد حدّثني أخي خليل عنك كثيرًا، وأهنئه على اختياره، وألف مبروك‘. وقال لي إن خليل قد أطلعه على إحدى رسائلي، وقام بوضع خط أحمر تحت بعض الجمل، إعجابًا بكلامي الوطني…”.
وروت أم جهاد كيف بدأت اجتماعات حركة فتح التأسيسية، وكيف انتقلوا إلى العمل في الجزائر وفتح مكتب لفلسطين في الجزائر، وترحيب الرئيس أحمد بن بلة بذلك، وكانت الجزائر بعد استقلالها مركزًا لحركات التحرر العالمي، “وقد ساهم اكتظاظ الجزائر بالمؤتمرات التضامنية المنعقدة فيها مع الشعوب المكافحة ضد الإمبريالية والاستعمار، في توطيد هذه العلاقات وتجذيرها. وكان خليل يشارك على نحو دائم من خلال إلقاء كلمة فلسطين في هذه المؤتمرات التي كانت تُعقد عادة في قاعة بن عكنون، أكبر قاعات الجزائر. وقد التقينا، أنا وخليل، مع تشي غيفارا أثناء انعقاد أحد المؤتمرات، حيث وصلتنا دعوة للمشاركة، وقد اهتم غيفارا كثيرًا بالتفاصيل المهمة التي تحدّث عنها خليل حول قرب انطلاقة الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح، وقال حينها إنه سيكون سعيدًا بانطلاقة هذه الثورة، وتمنى لنا التوفيق”.
ثم تحدثت عن المشاكل التي أدت إلى ترك مكتب الجزائر والذهاب إلى لبنان بعد انطلاقة حركة فتح رسميًا في 1965؛ “في 21 آذار/ مارس 1965، غادرنا الجزائر متجهين إلى العاصمة اللبنانية بيروت، لنواصل رحلة الكفاح والثورة، وكان قرارنا بالانتقال إلى بيروت لنكون أقرب إلى قواعدنا، وإلى مركز الحدث، والفعل الثوري”.
وكان أبو جهاد يتنقل في رحلات عمل في أوروبا وطرابلس وتونس والمغرب والجزائر، واستمرت حياتنا كما هي؛ يذهب إلى دمشق ليتابع العمليات العسكرية، ويعود إلى بيروت ليقضي معنا يومين، يتابع خلالهما لقاءاته مع الشباب، والقادمين من الخارج، ومسؤولي المجموعات، ويزور رؤساء تحرير صحف النهار والحياة والمحرر، ويُعِدّ مقالات سياسية يحاول نشرها ولا يجد تجاوبًا، وقد دفعه هذا الأمر إلى اتخاذ قرار في قيادة قوات العاصفة أن يصدر نشرة تحت اسم العاصفة، وهكذا بدأ يعدّها ويصدرها.
ثم تحدثت أم جهاد عن المشاركة في المؤتمر الأول للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ثم عن الهروب من بيروت برفقة أبو عمار، في أيلول/ سبتمبر 1965، ومن ثم الذهاب إلى دمشق وممارسة النشاط العلني وتأسيس أول خلية نسوية لحركة فتح هناك، وكذلك عن حادثة اعتقال المخابرات السورية أبو عمار وأبو جهاد إثر حادثة يوسف عرابي ومحمد حشمة في منزل أبو عمار.
وبعد ذلك انتهت رحلة عذاب استمرت أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر. خرج أبو عمار وإخوانه من السجن، ولكن بشرط ألّا يبقى في الأراضي السورية، وطُلب منه المغادرة فورًا. قرر أبو عمار أن يغادر متوجهًا إلى الأراضي اللبنانية على رأس مجموعة من الفدائيين، ويتوجه معهم إلى الجنوب اللبناني، للنزول بدورية خلف خطوط العدوّ. رافقه في الدورية نحو خمسة عشر مقاتلًا، … تحركت المجموعة تحت جنح الظلام، ووصلوا إلى الجنوب اللبناني، وكان دليلهم أحد الإخوة اللبنانيين، أوصلهم إلى إحدى المغارات ليكمنوا فيها، وذهب لإحضار بعض الطعام لهم.
عندما عاد، كانت قوات من الجيش اللبناني قد حاصرت الموقع واعتقلتهم جميعًا، واقتادتهم إلى ثكنة الحلو للتحقيق. أثناء التحقيق معهم، اعترفوا أن قائد المجموعة هو الأخ (أبو محمد)، وهو الاسم الحركي لأبو عمار في ذلك الوقت). عندما علم أبو جهاد باعتقالهم، أجرى اتصالات مكثفة مع شخصيات لبنانية وعربية للتدخل من أجل الإفراج عن أبي عمار والمجموعة. وقد أُفرج عنهم بعد حوالى شهر بتدخل من رئيس المخابرات العسكرية السورية أحمد السويداني، وعاد أبو عمار والمجموعة إلى دمشق بعد أن سمحت له السلطات السورية بذلك، ليتابع عمله من جديد.
ثم روت أم جهاد عن حرب حزيران/ يونيو 1967، ثم عن معركة الكرامة في عام 1968، والمؤتمر الثاني لفتح، ثم أحداث أيلول/ سبتمبر الأسود من عام 1970، وكذلك المؤتمر الثالث لفتح في أيلول/ سبتمبر 1971، وعن دخول العمل الفدائي إلى الساحة اللبنانية، وتوقيع اتفاق القاهرة في عام 1969، وما تلا ذلك من أحداث واغتيالات، كحادثة اغتيال القادة الثلاثة: أبو يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر في نيسان/ أبريل 1973.
وبعد المؤتمر الرابع لحركة فتح والاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، والطلب الأميركي بسحب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وما تعرّض له كوادر فتح من حرب عليها نفّذتها القوات السورية والمنشقون عن فتح تحت قيادة أبو موسى، وما جرى في طرابلس شمال لبنان، ومن ثم مغادرة لبنان إلى الأردن فترة وجيزة، ومن بعدها إلى تونس حيث: “استمر أبو جهاد بالتنقل بين تونس وبغداد، لمتابعة شؤون الأرض المحتلة، على الرغم من الخروج من الأردن الذي صار يتردد إليه على فترات، والبعد الجغرافي عن الوطن المحتل، فإنّ أبو جهاد استكمل عمله واتصالاته مع الداخل”.
الاغتيال
تحدثت أم جهاد عن الأيام الأخيرة قبل الاغتيال وروت بالتفصيل بعض الأحاديث الخاصة بينها وبين زوجها. وذكرت نوع انشغالاته في تلك الفترة. بعد ذلك بدأت تروي تفاصيل لحظة الصفر: “لم تمر ربع ساعة، وبينما كان أبو جهاد يجلس خلف مكتبه، استيقظت على صوت هرولة الأقدام الهمجية وهي تصعد الدرج، بعد أن تمكنوا من اقتحام المنزل وكسر قفل الباب، كانوا يصرخون صرخة العسكر عند الاقتحام. في تلك اللحظة، أزاح أبو جهاد طاولة مكتبه، وركض مسرعًا نحو الخزانة وأخذ مسدسه، فركضت خلفه نحو مدخل الغرفة وصرت بجانبه وأنا أردد “فردان! فردان!”، متذكرة ليلة اغتيال القادة الثلاثة: كمال عدوان، وأبو يوسف النجّار، وكمال ناصر. وسط هذا الصراخ، خرجت أنا وخليل إلى باب غرفة النوم، حيث يوجد ممر مستطيل الشكل عرضه متر، يفصله عن ممر الطابق العلوي باب زجاجي، كان مفتوحًا حينها، وفوجئنا بأربعة أشخاص ملثمين بكامل عتادهم العسكري أمامنا. أطلق عليهم أبو جهاد النار، فتراجعوا إلى الخلف. وبسرعة، أبعدني أبو جهاد عنه إلى الزاوية المقابلة، بينما بقي هو في الزاوية الأخرى، عندها، عاد أحد المسلحين وأطلق عليه النار فأصابه في يده وصدره وقلبه، فوقع مسدسه من يده وانكسر”.
بعد ذلك، تروي أم جهاد طلبها دفن زوجها في سورية، وتفاصيل العزاء وما جرى بعده من لقاءات بقادة عرب، كالملك حسين ومعمر القذافي وحافظ الأسد، وغيرهم. ثم تتحدث عن مسيرة نضالها في حركة فتح، بعد أوسلو وعودتها إلى الأراضي المحتلة.