بشار الأسد في زيارة تاريخية لدولة الإمارات العربية

في زيارة هي الأولى لبلد عربي منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، زار رئيس النظام بشار الأسد، الإمارات، والتقى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ونائب رئيس الدولة، حاكم دبي، محمد بن راشد، الأمر الذي انتقدته واشنطن وأثار تساؤلات حول طبيعة الزيارة وتوقيتها.

وقال بيان نقلته وكالة الأنباء الإماراتية إن ولي عهد أبوظبي بحث مع الأسد “العلاقات الأخوية والتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين بما يحقق مصالحهما المتبادلة ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط”.

وعن ماهية “المصالح المتبادلة”، يقول المحلل الإماراتي، حميد الزعابي، إن المقصود “هو إعادة سوريا للحضن العربي بما يحقق ويخدم منظومة الأمن القومي العربي”.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعربت عن “خيبة أملها وانزعاجها العميقين” من دعوة الأسد، لزيارة الإمارات، وفق ما قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس.

ووصف برايس الدعوة بـ”المحاولة المكشوفة لإضفاء الشرعية عليه وهو مسؤول عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف سوري من الرجال والنساء والأطفال”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية للحرة “كما أكد الوزير بلينكن نحن لا ندعم جهود إعادة تأهيل الأسد. ولا نؤيد قيام الآخرين بتطبيع العلاقات معه وكنا واضحين بهذا الشأن مع شركائنا”.

ولكن الزعابي يقول إن الهدف الإماراتي في الملف السوري هو “كسر عزلة القيادة السورية، ودعوة دمشق للعودة إلى جامعة الدول العربية وتعزيز مكانتها ومركزها العربي”.

وأضاف: “هذه الزيارة تؤكد أن الإمارات تمضي في مسار لم الشمل، وهي ماضية ومستمرة في ذلك”، متوقعا أن ينتج عن ذلك “زيارات عربية لدول عدة إلى دمشق”.

وكان المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، قد قال السبت، إن زيارة الأسد تنطلق من توجه الإمارات إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري، وقناعتها بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليم.

وكذلك وافق المحلل السوري من دمشق، غسان يوسف، في تصريحات لموقع “الحرة”، على أن “هذه الزيارة ستؤسس لزيارات عربية أخرى”، مشددا على أنه “لا يمكن تحييد دمشق وعزلها بعد اليوم”.

وأشار يوسف إلى أن بلاده “لا تمانع من الانضمام إلى جامعة الدول العربية مجددا، ولكنها في الوقت نفسه لن تطلب ذلك من أحد”، متوقعا أن “توافق أغلب الدول العربية على عودتها”.

ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، وقطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى بينها الأردن اتصالات محدودة بين الطرفين.

وتشهد سوريا نزاعا داميا منذ بداية الحرب تسبب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة، وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.

وثمن يوسف الدور الذي تلعبه الدولة الخليجية بالدعوة إلى “خروج القوات غير الشرعية من سوريا”.

وبحسب بيان وكالة الأنباء الإماراتية “ناقش الجانبان خلال اللقاء عددا من القضايا محل الاهتمام المشترك وتأكيد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية إضافة إلى دعم سوريا وشعبها الشقيق سياسيا وإنسانيا للوصول إلى حل سلمي لجميع التحديات التي يواجهها”.

في المقابل، يشدد المحلل السوري المعارض، أيمن عبد النور، في تصريحات لموقع “الحرة”، على أن “هناك مصلحة مشتركة دفعت كل من الطرفين للتقارب، بعيدا عن ملف العودة إلى جامعة الدول العربية”.

وأوضح عبد النور أن “زيارة الأسد للإمارات تأتي في وقت شديد الحاجة بالنسبة للنظام السوري الانفتاح وتأمين مصادر أخرى سواء للمواد الغذائية أو الاستيراد عبر المصارف الإماراتية بعدما فرضت عقوبات على موسكو”.

وأضاف: “الأسد يرغب في تأمين الغذاء من الامارات والمساعدة في تثبيت سعر الصرف بعدما أصبح 4000 ليرة مقابل الدولار الواحد بعد الغزو الروسي، علما أنه كان ثابتا عند 3500 للدولار الواحد”.

وأشار إلى أن “الإمارات ستحل مكان روسيا في عقود استثمارية مرتبطة بإعادة الإعمار، بعدما أصبحت موسكو عاجزة عن إكمالها لأسباب عدة بينها العقوبات”.

ولكن يوسف يشدد على أن كل ما تريده سوريا “هو العودة للحضن العربي، وأن تكون دولة فاعلة في محيطها الإقليمي، وأن لا يكون عليها حصار وعقوبات”.

وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة قالت في بيان مشترك، الثلاثاء، إنها “لا تدعم جهود تطبيع العلاقات مع نظام الأسد”.

من جهته، يعتبر الزعابي أن “الإمارات تتميز بالتوازن في العلاقات، وهي ماضية في إعادة سوريا لجامعة الدول العربية، تأكيدا منها على أهمية تعزيز الأمن القومي العربي”، مشيدا بجهود بلاده في أن تبقى “مستقلة في قراراتها”.

وكذلك، رأى يوسف أن “هناك عدة نقاط مشتركة بين الإمارات وسوريا، الأمر الذي سيسهل من عملية التقارب واكتمال الجهود المشتركة للعودة للحضن العربي، وأبرزها النظرة المشتركة للملف الروسي الأوكراني”.

وأصدر مجلس الأمن الدولي، في بداية مارس الجاري، بضغط من الإمارات ودعم من روسيا، قرارا يوسع الحظر على إيصال الأسلحة إلى اليمن، ليشمل جميع المتمردين الحوثيين.

وفسر دبلوماسيون تصويت روسيا، المقربة من إيران التي تدعم الحوثيين، لصالح القرار على أنه ثمرة “اتفاق” بين موسكو وأبوظبي هدفت موسكو عبره إلى ضمان امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق ما قالت “فرانس برس”.

بدوره، أعلن النظام السوري صراحة دعمه الكامل للحرب الذي تشنه روسيا في أوكرانيا.

ولكن عبد النور، يكرر بأن “المصالح المشتركة بين البلدين هي من ستحكم مصير الود بالعلاقات وما سينتج عنه”، موضحا أن “الإمارات تريد تشكيل قوة سياسية تجمعها بإسرائيل، وسوريا، بينما ترغب دمشق بالمساعدات الاقتصادية”.

وتوقع عبد النور أن “يسير الأسد في طريق التطبيع مع إسرائيل، على أن تلعب الإمارات دور الوسيط في ذلك”، مضيفا أن “التقارب السوري الإماراتي سيغير المعادلة في الملف اليمني ودعم إيران للحوثيين لاسيما بعد الهجمات الأخيرة”.

وكانت الإمارات تعرض لهجمات إحداها كان مميتا، في يناير الماضي تبناها المتمردون الحوثيون الذين يحظون بدعم من إيران.

بينما يرفض الزعابي أن يكون للإمارات رغبة في فرض شروط على سوريا أو تحقيق مصالح سياسية في الملف اليمني، قائلا: “ليست هناك أبعاد سياسية ولا اقتصادية، كل ما يعني الإمارات هو لم الشمل”.

وفي نوفمبر الماضي، اجتمع الأسد، بوزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، في زيارة هي الأولى على هذا المستوى إلى دمشق منذ 10 سنوات.

وجرى خلال اللقاء، البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، بحسب وكالة “سانا” الموالية للنظام.

وتم الاتفاق على تكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة للتعاون الثنائي، لاسيما في المجالات الحيوية، وذلك لتعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات.

وكان ولي عهد أبوظبي تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس النظام السوري، أكتوبر الماضي، بعد ما يقرب من 3 سنوات على إعادة الإمارات فتح سفارتها في دمشق.

وقالت وكالة الأنباء الإماراتية، في 20 أكتوبر، إن ولي عهد أبوظبي بحث مع الأسد “علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة”.

كما تناول الاتصال تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط إضافة إلى مجمل القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، بحسب الوكالة.

(الحرة)