يلينا نيدوغينا*
يَحتفل العالم ومعه الأردن وروسيا الفيديرالية بيوم الأرض العالمي. وبهذه المناسبة الكبيرة والمهمة التي تُعبّر عن ضرورة إيلاء خدمة مُثلى لأُمّنا الطبيعة، أجمعت عضوات نادينا الناطقات باللغة الروسية والمُهتمّات بالطبيعة ونظافتها وجمالياتها وبكل مكوناتها الحيّة الأخرى، على ضرورة العمل في أحضانها خدمةً لمتطلباتها في توفير النظافة في المواقع المفتوحة، ولرعاية الخلائق التي أبدعها الله ووظّفها لخدمة البشر. وفي هذا السبيل الشريف، انطلقنا بمبادرة من رئيستنا، مؤسسة وراعية “نادي السيدات الروسيات صديقات الثقافة الروسية في الأردن” (“ناديجدا”)، السيدة ناتاليا نزارينكو، إلى رِحاب الأردن لإحياء هذه المناسبة “على الأرض” بالذات، في الطبيعة – الأم بتوفير خدمة نبيلة لها، ولرفع سوية أمزجتنا، إقصاءً لهمومنا والسوداوية التي تَوشَّح بها هجوم كوفيد/19 علينا، ليختبرنا الفيروس أنَصبر على ضروب الشدائد وفنون النوائب، أم نجزع منه، وكما نطق امرؤ القيس إلى التمدح بالصبر والْجَلَد:
ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ عَلَيَّ بِأَنْواعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتلِي
لقد صبرنا وتفولَذنَا، ولهذا، توجّهنا نحن مجموعة الناطقات باللغة الروسية إلى (غابة برقش). عديدات من سيداتنا لم يَسبق لهن أن زُرن هذا الموقع الجميل والأخّاذ، الذي كان عند زيارتنا إليه يَغص بالمصطافين، الكبار منهم والصغار على حد سواء، المحليين والأجانب حتى، لكن هؤلاء ضيوف الأردن عددهم قليل. جميعنا روسيات مُقيمات وأجانب خرجنا مُسرعِين من رتابة مدننا وقرانا وبيوتاتنا متوجّهين نحو الأشجار الباسقة الدائمة الخُضْرَة والمُتعالية شموخًا، والنافثة أكسجينا نقيًا. تجوّلنا بين النباتات الجميلة واستمتعنا بأزهارها التي تجمع “في طيّاتها” ألوان قوس قزح السماوية، رغبةً مِنّا في خدمة المجتمع المحلي والأردن، وتقوية مناعتنا الشخصية الجسدية الفيزيائية في مواجهة جائحة فيروس كورونا الخبيث القتّال، قبحه الله وهزمه شر هزيمة.
قد يقول قائل إننا تلقينا دعمًا ماليًا ما لإنجاز هذه المهمة! في الحقيقة، هذه مبادرة طليعية تقدّمت بها إدارة نادينا وعضواته، اللواتي تبرعن من جيوبهن لإنجاح هذه الفعالية الوطنية، وجعلها مثلًا يُحتذى لِمَن يُريد خدمة البلد على أمثل مستوى، ولأجل إدخال البهجة في نفوس المتطوعين أولًا، وثانيًا في سبيل تنظيف جزء من الغابة من النفايات والأكياس البلاستيكية الضارة بالطبيعة، والتي يُلقيها إلى هنا وهناك بعض المُتجردين من الوطنية والإنسانية والانضباطية والإحساس بمتطلبات الصحة والسلامة العامة، غير مكترثين بضرورات الالتزام بمصفوفتها إقصاءًا لأي عدوى قد تلحق بمواطنات ومواطنين “يَسوحون” في هذه المواقع المفتوحة المنبسطة تحت سماء شاسعة، مُضِيئة علينا وعلى غيرنا بنورٍ احتفائي ساطع، ومانحة دفئًا لمَن يُقدّر ويُثمّن هذه الخدمات الإلهية المجانية لبَني الإنسان.
كان عملنا الخدماتي المجاني عِبرة للبعض في الغابة، الذين كانوا يلقون بالنفايات يُمنة ويُسرى. آخرون لديهم حس بالمسؤولية طلبوا منّا أكياسًا فارغة لأجل وضع القمامة التي تتولد لديهم فيها، ما يَدل على أنهم لم يُفكّروا مُسبقًا بأمر هذه النفايات والوسيلة المُثلى للتخلّص منها، بصورة حضارية ومتحضرة، فبادرنا نحن إلى تزويدهم بها، عِلمًا بأننا قُمنا بشرائها مجانًا قبل توجهنا نحو الغابة. وللحديث بقية تأتي.
* كاتبة وإعلامية أردنية – روسية متخصصة بالتاريخ والسياحة الأردنية، ورئيسة تحرير صحيفة «الملحق الروسي» في صحيفة «ذا ستار» سابقًا.