الزملاء المحترمون،
الأصدقاء من قطاع الأعمال،
السيدات والسادة والأصدقاء،
يسعدني جدا أن أحضر منتدى الأعمال لدول البريكس. في البداية، يطيب لي أن أتقدم بخالص الترحيب بالحضور الكرام.
في الوقت الراهن، تتشابك وتتفاعل آثار التغيرات غير المسبوقة في العالم منذ مائة سنة وجائحة القرن، حيث تظهر التحديات الأمنية المختلفة بلا نهاية، وتتعثر عملية التعافي الاقتصادي العالمي، وتتعرض التنمية العالمية لانتكاسات كبيرة. إلى أين سيتجه العالم؟ إلى السلام أم إلى الحرب؟ إلى التنمية أم إلى الانكماش؟ إلى الانفتاح أم إلى الانغلاق؟ إلى التعاون أم إلى المواجهة؟ هذا هو سؤال العصر المطروح علينا.
يتدفق نهر التاريخ دوما نحو الأمام، رغم أنه هادئ في بعض الأحيان وهائج في الأحيان الأخرى. لن يتغير الزخم العام للتاريخ نحو الانفتاح والتنمية، ولن تتغير التطلعات للتعاون المشترك في مواجهة التحديات، مهما كانت تغيرات الأوضاع في العالم. لا يحجب السحاب العيون الثاقبة، فمن المطلوب أن نفهم قوانين تقدم التاريخ بشكل دقيق، ولا نشوش بحدث من الأحداث أو في وقت من الأوقات، ولا نخاف من المخاطر، ونواجه التحديات بشجاعة، ونمضي قدما بشجاعة نحو هدف إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
أولا، يتعين علينا بذل جهود مشتركة للحفاظ على السلام والاستقرار في العالم عبر التضامن والتعاون. يقول المثل الصيني: “تذكّر الدروس الماضية للاستفادة منها في المستقبل.” عانت البشرية في القرن الماضي من دمار الحربين العالميتين المتتاليتين وظلال المواجهة في الحرب الباردة. قد أثبت التاريخ المؤلم أن الهيمنة وسياسة التكتلات والمواجهة بين المعسكرات لن تأتي بالسلام والأمن، بل ستؤدي إلى حروب وصراعات. أما الأزمة الأوكرانية الجارية قد دقت جرس الإنذار مرة أخرى للعالم: الانغماس في موقع القوة وتوسيع التحالف العسكري والسعي وراء الأمن الذاتي على حساب أمن الدول الأخرى لأمر سيؤدي حتما إلى مأزق أمني.
يعلمنا التاريخ أن السلام يمثل قضية مشتركة للبشرية، وهو يتطلب جهودا مشتركة من كافة الأطراف للسعي إليه والحفاظ عليه. ولا أمل للسلام بدون أن يعتز به الجميع ويحافظ عليه ويتذكر الدروس الأليمة للحروب ويستفيد منها. في وجه العالم المضطرب، علينا ألا ننسى الغاية الأصلية لميثاق الأمم المتحدة، وأن نتذكر جيدا الرسالة للدفاع عن السلام. طرحت مؤخرا مبادرة الأمن العالمي، التي تدعو كافة دول العالم إلى التمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام والتمسك باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها والتمسك بالالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والتمسك بالاهتمام بالهموم الأمنية المعقولة لكافة الدول والتمسك بإيجاد حلول سلمية للخلافات والنزاعات بين الدول من خلال الحوار والتشاور والتمسك بحماية الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية بشكل منسق. ويجب على المجتمع الدولي أن ينبذ اللعبة الصفرية، ويعارض سويا الهيمنة وسياسة القوة، ويبني نوعا جديدا من العلاقات الدولية على أساس الاحترام المتبادل والعدالة والإنصاف والتعاون والكسب المشترك، ويكرس الوعي بمجتمع المستقبل المشترك الذي يتميز بتقاسم السراء والضراء، حتى يسطع نور السلام على العالم.
ثانيا، يتعين علينا بذل جهود مشتركة لتعزيز التنمية المستدامة في العالم عبر التآزر والتساند. تعد التنمية مفتاحا لحل المعضلات المختلفة وتحقيق السعادة للشعوب. في الوقت الراهن، تتعرض عملية التنمية العالمية لصدمات شديدة، وتتقلل القوة الدافعة للتعاون الإنمائي الدولي، وتواصل الفجوة التنموية القائمة بين الجنوب والشمال في الاتساع، وتعرضت أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة لضربات شديدة في تنفيذها على المستوى العالمي. ويواجه السكان البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة من قرابة 70 دولة في العالم أزمات الجائحة والغذاء والطاقة والمديونية، الأمر الذي قد يشطب الإنجازات العالمية التي تحققت في الحد من الفقر خلال العقود الماضية.
طرحت في العام الماضي مبادرة التنمية العالمية، التي تدعو إلى التركيز على تنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، والدفع بإقامة الشراكة التنموية العالمية المتميزة بالتضامن والمساواة والتوازن والنفع للجميع، والدفع بالتعاون على نحو شامل في مجالات الحد من الفقر والصحة والتعليم والترابط الرقمي وعملية التصنيع. وتؤكد المبادرة على ضرورة تعزيز التعاون في مجالي الغذاء والطاقة والارتقاء بمستوى تأمين الغذاء والطاقة، وضرورة اغتنام فرصة الثورة التكنولوجية الجديدة والتحول الصناعي الجديد وتنشيط تدفقات عوامل الابتكار في كل أنحاء العالم ومساعدة الدول النامية على تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية الرقمية والتحول الأخضر، وضرورة العمل على التعاون في مكافحة الجائحة وتقديم مزيد من الأدوية الخاصة بمكافحة الجائحة إلى الدول النامية، بغية هزيمة الجائحة في يوم مبكر.
سيعقد الجانب الصيني بعد يومين “اجتماع الحوار الرفيع المستوى للتنمية العالمية”، حيث سيتم التباحث حول أفق التنمية العالمية. ينبغي أن نتمسك بوضع تطلعات الشعوب والمصلحة العامة في المقام الأول، وندفع بدخول التنمية العالمية إلى العصر الجديد، بما يعود بالخير على شعوب العالم.
ثالثا، يتعين علينا بذل جهود مشتركة لتحقيق التعاون والكسب المشترك بروح الفريق الواحد. في الوقت الحالي، تتعرض بعض سلاسل الصناعة والإمداد المهمة للتشويشات المتعمدة، وتتذبذب أسعار السلع الأساسية عند مستويات عالية، وتبقى معدلات التضخم في العالم عالية، وتشهد الأسواق المالية الدولية اضطرابات مستمرة، ويتراجع زخم الانتعاش الاقتصادي العالمي بصورة متواصلة. إن الجميع يساوره القلق من احتمال وقوع الاقتصاد العالمي في مستنقع الأزمة.
في هذه اللحظة الحاسمة، لا يمكن تجاوز الأزمة الاقتصادية إلاّ بالتضامن والتعاون بروح الفريق الواحد. فيتعين علينا أن نوحد الأفكار والجهود ونعزز التنسيق حول السياسات الاقتصادية الكلية لتجنب تباطؤ أو انقطاع عملية التعافي الاقتصادي العالمي. يجب على الدول المتقدمة الرئيسية أن تنتهج سياسات اقتصادية مسؤولة تفاديا للتداعيات السلبية الناتجة عن سياساتها المعنية على الدول الأخرى أو تشكيل صدمات كبيرة على الدول النامية. قد أثبتت الحقائق مرارا وتكرارا أن العقوبات تعتبر “بوميرانغ” و”السيف ذا الحدين”، وأن تسييس الاقتصاد العالمي واستخدامه كأداة وسلاح وفرض العقوبات العشوائية باستغلال الموقع القيادي في النظامين المالي والنقدي الدوليين، لأمر سيضر في نهاية المطاف بكافة الأطراف ويلحق أضرارا بشعوب العالم.
رابعا، يتعين علينا بذل جهود مشتركة لتوسيع الانفتاح والاندماج عبر التسامح والشمول. تتطور العولمة الاقتصادية العالمية تطورا سريعا بعد انتهاء الحرب الباردة، الأمر الذي عزز إلى حد كبير تداول السلع ورؤوس الأموال وتقدم العلوم والتكنولوجيا والحضارة. إن عالما أكثر انفتاحا وشمولا سيوفر مجالا أوسع للتنمية في دول العالم وسيخلق مستقبلا أكثر ازدهارا للبشر.
غير أن العولمة الاقتصادية العالمية تعرضت في الفترة الماضية لـ”الرياح المعاكسة والتيار المعاكس” حيث تنوي بعض الدول “فك الارتباط وقطع السلاسل” وبناء “فناء صغير محاط بجدار عال”. ويقلق المجتمع الدولي بشكل عام من انقسام الاقتصاد العالمي إلى أجزاء ينعزل بعضها عن البعض إذا استمرت هذه الأحوال. بما أن العولمة الاقتصادية مطلب موضوعي لتطور القوة الإنتاجية إضافة إلى كونها تيارا تاريخيا لا يقاوم، إن الذي يعاكس تيار التاريخ ويحاول قطع طريق الآخرين سيجد طريقه مسدودا في نهاية المطاف.
يقول المثل الصيني القديم إن “الجبل يصبح شامخا لأنه لا يرفض أي تربة تتكدس فيه، والبحر يصبح عميقا لأنه لا يبعد أي نهر يصب فيه”. تعتبر القيم المتمثلة بالشمول والنفع للجميع والكسب المشترك قيما يجب التمسك بها في الدنيا. ينبغي أن نتمسك بالانفتاح والشمول، ونزيل جميع الحواجز التي تعرقل تطور القوى الإنتاجية، ونقود وندفع التطور السليم للعولمة بما يحرّر تدفق الأموال والتقنيات ويحفز الابتكار والذكاء بشكل كامل ويحشد الجهود لتحقيق النمو الاقتصادي العالمي. ومن المطلوب الحفاظ على نظام التجارة المتعددة الأطراف الذي تكون منظمة التجارة العالمية مركزا له، وإزالة الحواجز التجارية والاستثمارية والتقنية، والدفع ببناء اقتصاد عالمي منفتح. ومن المطلوب التمسك بالتشاور والتعاون والنفع للجميع، وتعزيز حوكمة الاقتصاد العالمي، وزيادة تمثيل الأسواق الناشئة والدول النامية ورفع أصواتها، وضمان مساواة الدول أمام الحقوق والقواعد والفرص.
السيدات والسادة والأصدقاء،
منذ العام الجاري، وفي وجه البيئة التنموية المعقدة والقاتمة في داخل البلاد وخارجها، ظلت الصين تتمسك بالتوفيق بين مكافحة الجائحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتتعامل بقوة مع التحديات المختلفة. تتمسك الصين بمبدأ الشعب أولا والحياة أولا، وتقوم بتحصين خط الدفاع ضد الجائحة وتحافظ على الإنجازات في مكافحة الجائحة وحماية سلامة أبناء الشعب وصحتهم بأكبر قدر ممكن ونجحت في الحفاظ على استقرار الأساسيات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بأكبر قدر ممكن. ستعزز الصين التحكم في السياسات الكلية، وتتخذ إجراءات أكثر فعالية، وتعمل جاهدة على تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذا العام، وتقلل التداعيات السلبية الناجمة عن الجائحة بأكبر قدر ممكن.
سنعقد في النصف الثاني من العام الجاري المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، سنرسم فيه الخطوط العريضة لتطور الصين في المرحلة القادمة. ستعمل الصين على تطبيق المفهوم الجديد للتنمية وإقامة المعادلة الجديدة للتنمية انطلاقا من ميزة المرحلة الجديدة للتنمية، وتبذل جهودا لتحقيق التنمية العالية الجودة. كما ستواصل الصين رفع مستوى الانفتاح على الخارج، وبناء نظام اقتصادي جديد ومنفتح وعلى مستوى أعلى، وهي ستواصل تطوير بيئة تجارية تقوم على قواعد السوق والقانون والمعايير الدولية. ونرحب بكم ترحيبا حارا في الصين للاستثمار ومزاولة الأعمال وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وتقاسم فرص التنمية فيما بيننا.
السيدات والسادة والأصدقاء!
تعد آلية البريكس للتعاون منصة مهمة للتعاون بين الأسواق الناشئة والدول النامية، أما قطاع الأعمال فهو يعد قوة مهمة في تعزيز التعاون العملي بين دول البريكس حيث عمل قطاع الأعمال لدول البريكس على مدى السنوات على فتح آفاق جديدة وتحقيق التقدم وتفعيل الإمكانيات الكامنة للتعاون العملي بين الدول الخمس، وقدم مساهمة مهمة تنبغي الإشادة الكافية بها في تدعيم التنمية لهذه الدول.
في الوقت الراهن، دخل تعاون البريكس مرحلة جديدة للتنمية العالية الجودة. فنأمل أن يكرس رجال الأعمال روح المثابرة والريادة، ليكونوا دافعين للتنمية المنفتحة وروادا للتنمية المبتكرة وممارسين للتنمية المشتركة، بما يوفر قوة وطاقة لتعاون البريكس. يجب رفع مستوى التعاون فيما بين دول البريكس في مجالات التجارة والاستثمار والمالية استفادةً من مزايا التكامل بين هذه الدول في الهياكل الصناعية والموارد والإمكانيات، وتوسيع التعاون في مجالات التجارة الإلكترونية العابرة للحدود والخدمات اللوجستية والعملات المحلية والتصنيف الائتماني، والحفاظ على أمن سلاسل الصناعة والإمداد وانسيابها. ويجب المشاركة النشطة في بناء شراكة البريكس حول ثورة صناعية جديدة، وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد الرقمي والتصنيع الذكي والطاقة النظيفة والتقنية المنخفضة الكربون، ومساعدة هذه الدول في تحول الهيكل الصناعي والارتقاء بمستواه. كما يجب تعميق التعاون في مجالات الطاقة والغذاء والبنية التحتية والتدريبات المهنية والوفاء بالمسؤولية الاجتماعية، بما يجعل شعوبنا تستفيد من مزيد من نتائج التنمية بشكل أكثر إنصافا.
أنا على يقين بأن دول البريكس كسفينة كبيرة، ستركب الرياح والأمواج وتبحر نحو مستقبل أكثر إشراقا وأجمل بالتأكيد، طالما نرفع عاليا شراع المنفعة المتبادلة والكسب المشترك ونتمسك بكل ثبات بعجلة قيادة للتضامن والتعاون.
وأتمنى لمنتدى الأعمال هذا نجاحا تاما!
شكرا لكم.