كتب المحامي محمد قطيشات –
رأى المشرع أنه ليس من المصلحة العامة أن يفرض حظرا شاملا على نشر أخبار التحقيقات الجزائية في جميع الحالات، ولا يوجد ما يدعو إلى ذلك.
بل إن المصلحة العامة قد تقتضي في بعض الحالات وجوب هذا النشر، بغية إظهار الحيدة في مباشرة هذه التحقيقات أمام الرأي العام، منعاً للقالة، وإرضاءً لشعور المواطنين بتحقيق العدالة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فان القول بفرض حظر مطلق على نشر كافة أخبار تحقيقات النيابة العامة في جميع الحالات، يتعارض يقيناً مع ممارسة الصحافة لرسالتها في خدمة المجتمع بنشر الأخبار والموضوعات التي تهم الرأي العام، كما يتعارض أيضاً مع حرية الصحافة وحقها في النشر باعتباره أحد المبادئ الأساسية في الدستور..
ولذلك نجد أن المشرع قد حرص على أن يوازن بين مصلحة الناس في معرفة ما يجري حولهم من أخبار الجرائم والتحقيقات التي تتم فيها، وضمان عدم تأثير النشر على هذه التحقيقات، وكذا ضمان حق الأشخاص في الحفاظ على سمعتهم من جراء هذا النشر.
حيث أعطى القانون صفة السرية على إجراءات التحقيق وجعل الأصل حظر نشر هذه الاجراءات والاستثناء هو جواز النشر بإجازة من النيابة العامة.
– حيث نصت المادة (225) من قانون العقوبات الأردني على أنه:
يعاقب بالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسة وعشرين ديناراً من ينشر:
1 – وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية.
2 – محاكمات الجلسات السرية.
3 – المحاكمات في دعوى القدح.
4 – كل محاكمة منعت المحكمة نشرها.
– كما ونصت المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر الأردني على أنه:
أ . يحظر على المطبوعة الصحفية نشر محاضر التحقيق المتعلقة بأي قضية قبل احالتها إلى المحكمة المختصة، إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك.
ب. للمطبوعة الصحفية حق نشر محاضر جلسات المحاكم وتغطيتها ما لم تقرر المحكمة غير ذلك حفاظا على حقوق الفرد أو الأسرة أو النظام العام أو الآداب العامة.
ج. تنطبق أحكام الفقرة (أ) من هذه المادة على مراسلي وسائل الاعلام الخارجية وتطبق عليهم العقوبات المنصوص عليها في الفقرة (ج) من المادة (46) من هذا القانون.
– كما ونصت المادة (14) من قانون انتهاك حرمة المحاكم على أن:
كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها إذاعات بشأن تحقيق جزائي قائم يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وجدير بالذكر أن مجرد مخالفة هذا الحظر يعتبر في ذاتها جريمة بصرف النظر عما اذا كان النشر المخالف يتضمن ذماً أو قدحاً أو إهانة أم لا.
وهذه الجريمة هي إحدى جرائم النشر التي أوردها التشريع الأردني.
ويشترط لقيام هذه الجريمة توافر الركن المعنوي، وهوالقصد الجرمي العام الذي يتمثل في اتجاه ارادة الجاني إلى نشر الأمور المحظور افشاؤها أو اذاعتها مع العلم بطبيعتها، فلا يتوافر القصد الجرمي إذا نشر شخص معلومات بتحقيق وهو لا يعلم بقيام التحقيق أو بأنه محظور نشره.
*موضوع حظر النشر هو التحقيق الجزائي:
ويقصد بالتحقيق الجزائي، التحقيق الذي تجريه سلطة التحقيق، فلا يشمل التحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة. والتحقيق الابتدائي الذي يحظر نشر أخباره هو التحقيق الذي تجريه النيابة العامة.
* نطاق حظر النشر: يشمل حظر النشر الأخبار المتعلقة بالتحقيق.
•أخبار التحقيق:
-أخبار التحقيق التي يحظر نشرها تتناول بطبيعة الحال نشر محاضر التحقيق نفسها بما فيها أقوال الشهود ومحضر استجواب المشتكى عليه ومحاضر الانتقال والمعاينة وتقارير الخبراء (الطب الشرعي) وغيرها من اجراءات التحقيق وكذا كافة نتائجها مثل اجراءات القبض والتفتيش.
-وإذا تضمن النشر في هذه الحالة وقائع أو أموراً أو عبارات تخدش شرف الأشخاص أو تمس اعتبارهم أو تلوث سمعتهم، فان من قام بالنشر تتوافر في حقه المسئولية الجزائية عما يتضمنه هذا النشر من الذم أو القدح، هذا فضلاً عن مسئوليته الجزائية عن جريمة مخالفة حظر النشر في حد ذاتها.
– ولكن الحظر لا يشمل خبر وقوع الجريمة. اذ يجب التمييز بين خبر وقوع الجريمة ذاتها وبين أخبار التحقيق المتعلقة بهذه الجريمة وهي التي يرد عليها الحظر. فالجريمة حدث عام لا يمكن حجب وقوعه عن الجمهور، ومن حق الرأي العام أن يعرف ما يقع من جرائم فور وقوعها وأن يراقب كيفية قيام السلطات بواجبها، وليست هناك أي مصلحة تقتضي بقاء خبر ارتكاب جريمة في طي الكتمان.
– كذلك لا يعتبر من أخبار التحقيق التي يحظر نشرها مجرد خبر عن بدء التحقيق أو عن قرب انتهائه، فهذه الأخبار لا تمس شأناً من شئون التحقيق.
– ويلاحظ أن نشر صورة المجنى عليه أو الشاهد أو غيرهم ممن يكون متصلاً بالتحقيق المقرر حظر نشر أخباره، يعتبر نشراً محظوراً أيضاً. فيما لا نعتقد أن نشر صورة المتهم أثناء التحقيق أمر مشمولا بالحظر.
– ولما كان الحظر ينصب على نشر أخبار بشأن التحقيق، فإنه لايتناول نشر أية تعليقات ذات صفة عامة ولو كانت تشير الى الجريمة التي يجري التحقيق بشأنها. فنشر مقال حول وقوع جريمة معينة أو سلسلة من الجرائم ينتقد فيه كاتبه السلطات لتهاونها في اتخاذ الاجراءات اللازمة، أو نشر انتقاد للتراخي في التحقيق أو مطالبة بإذاعة بيان عن نتيجة التحقيق. كل ذلك يعتبر تعليقات لا يشملها طالما أن هذه التعليقات لا تتناول وقائع التحقيق.
•النطاق الزمني للحظر:
لقد أشار القانون الى ان نطاق الحظر يبدأ ببدء التحقيق، وبأي مرحلة من مراحل التحقيق وبالمنطق فإنه ينتهي بانتهاء هذا التحقيق سواء بالإحالة إلى المحكمة أم بالحفظ، فبصدور هذا القرار تخرج القضية من حوزة المحقق ويعتبر التحقيق غير قائم.
ولكن لا بد من الاشارة إلى أن الحظر يظل قائمًا ولو كان التحقيق قد انتهى فعلاً، مادامت سلطة التحقيق لم تتصرف فيه بعد لأي سبب من الأسباب.