الأكاديمي مروان سوداح
يوميًا، أتلقى سَيلًا مِن الرسائل من مواطنين عرب من الأردن ومختلف البلدان العربية، يستفسرون فيها عن مدى وصحّة ما يطالعونه في مقالاتي وما يقرؤونه في أخبار أذربيجان عمومًا، وبالأخص عن اهتمام رئيس الجمهورية، فخامة السيد إلهام علييف، بالمسيحية والمسيحيين.
بعض هؤلاء اعتَبرَ أن عدم نشر وكالة أنباء أذرتاج الرسمية لمقالتي السابقة التي نشرتها أنا عن المسيحية وأذربيجان في يومية “الأنباط” الأردنية الشهيرة، بما يتصل بتحرير “قرة باغ”، وصَلاتِنا في كنيستها المُحررة من الاحتلال الأرميني خلال العقود الثلاثة المنتهية، ما هو “إلا الدليل” على أن باكو “غير مهتمة بالمسيحيين، بغية كسب الرأي العام العالمي والدول ذات الأكثرية المسيحية” لكونها فاعلة ومُقرِّر في السياسة الدولية!
كثيرًا ما تصدمني “تحليلات سياسية” سطحية كهذه. فآراء القرّاء قد تكون متطرفة في استنتاجاتها، وغير مكتملة في أعمدتها وأُسـسها التي ترتكز إليها، أحيانا لضيق الاطلاع وشُح الحقائق المتوافرة لدى الشخص بسبب الصراعات والحروب الإعلامية، أو بفِعلِ تعبئة سياسية مُسبقة مِن جهة ما.
في الواقع، ليس “ضربة لازم” كما نقول، أن تعيد “أذرتاج” نشر كل ما أكتبه أنا أو غيري عن بلادها الأذرية. قد يكون عدم النشر بسبب انشغال الإعلاميين الأذريين، أو أن النسيان طغى عليهم في حمأة الأعمال وتحرير المواد، أو حتى للانشغال الشخصي والعائلي أو لاستكمال دراساتهم العليا، وغيرها المزيد.
في “المسيحية الأذربيجانية” يمكنني القول الفصل، إن مسيحيينا الأذريين يتمتعون بكامل الحريات الدينية والاجتماعية والإعلامية في باكو. شخصيًا، علاقاتي مع أذربيجان تمتد لعدة عشريات سابقة من السنين، وها هي تستمر إلى الآن، وستتطور في المستقبل. لقد سبقتُ باتصالاتي مع أذربيجان كثيرين من العرب. كانت ارتباطاطي أولًا مع القسم العربي لإذاعة باكو الأذربيجانية السوفييتية، التي شاركتُ في مسابقاتها وفعالياتها وأخبارها، وفي مراسلاتي معها لسنوات طويلة. كذلك الأمر كان تَوَاصُلي مباشرة مع الجمعية الأذربيجانية للصداقة والعلاقات الثقافية مع البلدان الأجنبية، في باكو، وتألقت بعلاقات مع شخصيات أذرية وازنة منها على سبيل المثال لا الحصر، مع الأستاذ المرحوم عادل قربانوف المدير العام للمركز الثقافي السوفييتي في العاصمة الأردنية عمًان، وتشعّبت مع تسنّمه رئاسة تحرير “جريدة أنباء موسكو” في موسكو، إذ طلب مني رحمه الله، أن أُتابع النشر في هذه الصحيفة الشهيرة خلال فترة رئاسته أيضًا، إذ أنني كنت ومنذ افتتاح المركز الثقافي السوفييتي أحد الذين ينشرون المقالات في “أنباء موسكو”، فقد بدأت الاهتمام بها والكتابة فيها منذ أن كان عمري نيّف و 12 سنة.
تطورت إِتِّصَالاتي أيضًا مع المرحوم إيلمان أراسلي، السفير الأول لجمهورية أذربيجان المستقلة لدى الأردن، فقد بدأت معه منذ أيام خدمته في السفارة السوفييتية في المملكة الأردنية الهاشمية. وسبق وزرت أذربيجان بالترتيب منه سويًا مع وفد لأساتذة الجامعات الأردنية.
خلال تلك السنوات الكثيرة التي يَطول الحديث عنها، عَرفت في أذربيجان والأذربيجانيين شخصيات نابهة و”خدومة” ومحترمة وصادقة في طبائعها وتعاملاتها. لهذا لا أرى أن عدم إعادة نشر أي من المواد التي أرسلها لأذربيجان لا يَعني تهميشًا للمسيحيين فيها. تقول الحقائق اليومية، ومشاهداتي في باكو التي سُعدت بوجود أصدقاء لي فيها، ضمنهم أولئك الذين درسوا معي في الاتحاد السوفييتي، إن قيادة الدولة الأذرية تحمي مسيحييها، فهؤلاء هم مسيحيون أذربيجانيون أصلاء، يتمتعون بكل حقوق المواطنة. نظرة واحدة إلى أنشطة الرئيس إلهام علييف، دلالة على أن احترام المسيحيين في تلك البلاد وهو بالتالي إعلاء مبدئي للذات الأذرية نفسِها واحترامها للعالم بكل أديانه ومشاربه الدينية.
سيأتي يوم يزور فيه الملايين من العرب والأجانب أذربيجان، ليطلعوا على سِمات تقدمية تنطبع بها الشخصية الأذربيجانية التي تعشق احترام الآخر وتلبية متطلباته على اختلافها، ضمن الثوابت الإنسانية. فهلموا بنا جميعًا إلى باكو، لنشهد على حقائق تلك البلاد المُنيرة.
*متخصص في شؤون أذربيجان.