الأكاديمي مروان سوداح
منذ نحو عقد واحد من السنين، بدأ العالم بدوله وخبرائه ومتخصصيه يُبشّرون بقرب حلول الصين في المَكانة الاقتصادية الأولى. كثيرون من أصحاب الرؤوس الحامية رفضوا هذا الاستنتاج وأنكروه، وكرروا لسبب أو لآخر المَعزوفة القديمة: “استحالة هذا الوضع!”. لكن على الأرض، بدأت الولايات الأمريكية التخلي مرغمةً عن زعامتها الاقتصادية، وتسليم تاج المجد طوعًا للصين دولةً وقيادةً وشعبًا. بتلاحق الشهور والسنين، زاد عدد المتأكدين علميًا من أن الصين ستتبوأ المكانة الأولى عندما تمكّنت بكين من الحلول “محل الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لكل دولة من الدول الرئيسية تقريباً، وبالذات عندما صارت بلا منازع “مصنع العالم”، “بما في ذلك أقنعة الوجه التي لعبت دوراً محورياً خلال أزمة كورونا”، كما تؤكد في تحليلها الموضوعي “العربية نت” الشهيرة.
راهنا، يُمكننا القول استنادا للوقائع، إن الصين حلّت محل الاقتصاد الأمريكي، وتمكنت من تحويل كل الدول إلى شاهد عيان تاريخي على بداية تشكيل العقد الأول الذي لن تمتلك فيه واشنطن الروافع الاقتصادية الأقوى عالمياً. قبل هذه العشرية، ظلت الولايات المتحدة تهيمن من طرف واحد ودون منازع، على المركز الأول على مدار العقود الأربعة السابقة، التي شهدت نموًا اقتصاديًا للدولة الأمريكية، من 2.86 تريليون دولار في عام 1980، إلى ما يَفوق الـ20 تريليوناً حالياً.
تزداد باضطراد اليوم، أعداد الجهات الإعلامية والاقتصادية والسياسية والدول التي تعترف بريادية الصين الاقتصادية ومكانتها الأولى عالميًا، استنادًا إلى الأرقام والوقائع الميدانية. في العام الماضي، فجرت “العربية نت” قنبلة مدوية بتأكيدها على أولوية الاقتصاد الصيني وشَغلِه المكانة الأعلى دوليًا برغم جائحة كورونا، وبَشّرت بأن مَن له عين تُبصر “سيستيقظ على واقع غير مسبوق هو صعود الصين كقوة اقتصادية عُظمى جديدة بلا منازع!”. وأضافت “العربية” بالحرف؛ بتاريخ 06 كانون الأول 2020: “قبل شهرين فقط أعلن صندوق النقد الدولي تقريره السنوي عن آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2020، حيث قدّم لمحة عامة عن الاقتصاد والتحديات المُقبلة.. لكن بين سطور التقرير ذي 200 صفحة، حقيقة لا يريد الأمريكيون سماعها، بل إن الإعلام الدولي لم يلق لها بالاً، وهي أن الصين أزاحت بالفعل الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم”. وزادت: “يَستند تقرير صندوق النقد الدولي إلى المِعيار الأكثر دقة الذي يَعتبره كل من IMF ووكالة الاستخبارات المركزية CIA أفضل مقياس منفرد لمقارنة الاقتصادات الوطنية، وهو تَعَادُلُ القدرة الشرائية (PPP) عوض فروق العِملة التي كان مَعمولًا بها في السابق.. وقد أظهر التقرير، أن اقتصاد الصين بات أكبر من اقتصاد أمريكا بفارق ليس بهين.. إنه حوالي 3 تريليونات ونصف التريليون دولار.. لقد حدّد صندوق النقد الدولي (IMF)، اقتصاد الصين في الأرباع الثلاثة الأولى (من العام المنصرم) عند 24.2 تريليون دولار أمريكي، مقارنة بـ 20.8 تريليون دولار لاقتصاد أمريكا”.
لم يَعد بإمكان المتعصبين إنكار قوة الصين العُظمى.. إنها الآن أقوى اقتصاد على سطح كرتنا الأرضية. لقد كان صعود التنين إلى القمة حتمياً، لكن ربما لم يتوقع أحد أن يتم ذلك بهذه السرعة. ويبقى من المفارقات أن جائحة كورونا التي أضعفت العالم جعلت الصين أقوى. ولعل أكبر تلك المفارقات أنها كانت البؤرة الأولى التي شهدت الانفجار الكبير للفيروس القاتل.
في 16 فبراير2021، نشر موقع “يورونيوز” الغربي المعروف مادة مدوية بعنوان غير معهود هو “الصين تُبعِد أمريكا وتصبح الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي”، وأكدت أن بكين “أصبحت في عام 2020 الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي للمرة الاولى، متجاوزة الولايات المتحدة، بفضل الانتعاش السريع للاقتصاد الصيني “الأقل تأثرًا بوباء كوفيد/19 من اقتصادات الشركاء الغربيين”، وزادت: هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها العكس صحيحًا، أي أن الصين سبقت الولايات المتحدة في حجم المبادلات التجارية مع أوروبا”.
أكتفي اليوم بهذا القدر في إلقاء الضوء على أهمية الاقتصاد الصيني وقياديته العالمية وتطوره بسرعة الضوء والصوت، فلا يتّسع الحيّز المحدود في هذه المقالة إلى استعراضٍ أوسع لوسائل الإعلام الغربية ودراسات المتخصصين والخبراء غير الصينيين الذين هم بالذات مَن يشهدون ويؤكدون انتهاء العصر الاقتصادي والسياسي الأمريكي، وبداية أفلوله لصالح الصين.
*متخصص بشؤون الصين.