بسام بدارين
أسهل خيار لأي سياسي كسول ويزوغ بعينيه عن الوقائع للاسترسال في سردية لا تغني ولا تسمن، هو التركيز على نظرية «مؤامرة واستهداف».
الاتهامات التي توجه للصحافة الدولية أو الغربية باستهداف الأردن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تبدو مضحكة ومثيرة للسخرية أحيانا، ليس لأن الاستهداف غير موجود، ولا لأن صحافة الغرب مفعمة بالخير والمحبة والسلام، لكنها مثيرة للسخرية لأن الكاميرات والمايكروفات بكل بساطة وقبل أي اعتبارات أخرى، تعمل وتشتغل عندما يحصل حدث.
عمليا هذا ما فعلناه بأنفسنا، فمن الطبيعي جدا أن تتحول قضايانا الداخلية إلى بؤرة اهتمام ويتم تشريحها على طاولة الصحف الكبرى. ومن الطبيعي فعلا أن تصبح «سيرتنا على كل لسان» لأن مؤسسات أردنية عمليا هي التي صنعت الحدث.
لا نختلف مع قصة الاستهداف نفسها، فهي سيناريو مكرر، وقد ضجرنا من الإسطوانة التي تتحدث عن استهدافنا كأردنيين كلما طالبنا بتغيير إصلاحي وتمكن الملل منا، لأن إسطوانة الاستهداف تستخدم في غير سياقها من قبل حلقات نخبة خاملة وكسولة وفقيرة في السياسة والخبرة والإعلام الآن، كما استعمل الصراع العربي الإسرائيلي طوال عقود في منع وتخدير الإصلاح السياسي الشامل.
طبعا الأردن مستهدف طوال الوقت. وطبعا الأردن تحت الأضواء الكاشفة بحكم موقعه الجيوسياسي واشتباك أطرافه مع كل القضايا الشائكة.
الاستهداف ليس جديدا، وصمود المؤسسات الدستورية الأردنية وسط إقليم مشتعل، كان طوال الوقت ولمئة عام قصة جديرة بالسرد للأجيال المتعاقبة، والتجربة الأردنية الخالية تماما رغم كل الاستهدافات من طرح أي أسئلة لها علاقة بالشرعية تستحق أن تتحول إلى مادة علمية يناقشها الخبراء في الجامعات.
لدينا بكل حال ما يستحق في الوطن الأردني أن ندافع عنه.
لكن قلناها ونعيدها: أكثر القضايا نبلا وقيمة تسقط في التبرير والاستعراض والدفاع عندما يكلف بالتحدث عنها موظف مرعوب. القضايا المدهشة تدافع عن نفسها، ولا حاجة لنا بالتمثيل المسرحي الرديء تحت عنوان ادعاءات الولاء.
أصبحت قضايانا بصرف النظر عن هويتها تحت الأضواء الساطعة لمؤسسات الإعلام الغربي والأمريكي، بما فيها تلك التي تنتج في زوايا أقنية الاستخبارات أحيانا، أو تبدع في مجالات حيوية تحت ضغط الاستقطاب والتجاذب بين مراكز القوي لأننا بلد مهم.
يلاحقنا الإعلام الدولي الآن لأننا بكل بساطة صنعنا خبرا بأيدينا، قوامه حصول انقسام في قمة الهرم الأردني ووجود بارزين في عمق مؤامرة ومخطط.
نحن تحدثنا مع أنفسنا أولا عن مؤامرة وفتنة ومخطط، ثم التقط الغرب ما قلناه، وسلط علينا الضوء في امتحان لعيوبنا الإدارية والمهنية.
حولنا بلساننا شلة بائسين إلى «معارضة خارجية» وأصدرنا بيانات تتهم شخصيات بارزة، وكان في المشهد تحقيقات ومسؤولون كبار يقدمون رأيا متقلبا عن مسار الأحداث، فعلى أي أساس نرتاب أو نشيطن أو نلوم الإعلام الغربي أو العربي، عندما يتحرك لتغطية أو لاستخدام الحدث الذي قلناه وصنعناه نحن.
معروف جدا أن عدم توفر مهنيين أفذاذ لديهم القدرة على مناجزة الإعلام الدولي أسهل وسيلة للتغطية عليه هو الوقوف فقط على محطة الشكوى والتذمر والتحدث عن الاستهداف والمؤامرة.
ماذا فعلنا نحن لتحصين الداخل ولتطوير روايتنا الإعلامية؟
ماذا فعلنا نحن حتى نقدم للعالم بدلا من الإكثار من العزف على إسطوانة المؤامرة والاستهداف حتى نتقدم برواية مهنية صلبة ترد وقبل الحدث على كل مندس أو حتى متآمر أو ضال.
ما أريد قوله إن المشهد والحدث أردنيان بامتياز، فالمتهمون مواطنون والخلل في مؤسساتنا والشرخ تحدثنا عنه للعالم والمؤسسات التي تدقق وتحقق وتعتقل أردنية، فعلى أي أساس نقف على تلك المحطة لنشكك بنوايا وخلفيات وزوايا حملة شيطانية وللإعلام الغربي.
عمليا لا يمكن تبرئة الإعلام الغربي أو الإسرائيلي أو حتى الأمريكي من الأجندات والاستهدافات، لكن أسلوبنا في الإدارة السياسية والإعلامية للأمور قادنا مجددا إلى نفس النمط القديم في «تذخير وتسمين» كل الروايات السلبية في الخارج.
لست قلقا على بلدي لكن الأردن ليس بخير، والمؤامرة الحقيقية التي لا ننتبه لها جميعا تبدأ من الإنكار والتضليل والإصرار على أننا نتمتع بكل الخير.
سياسة تبرئة الذات والتعامي عن الحقائق والوقائع وتضخيم الأنا دفع ثمنها الأردنيون طوال عقود.
علينا أن نتوقف عن لوم الكاميرا والمايكروفون واتهام وشيطنة المذيع حتى وإن كانوا شياطين، فنحن لسنا ملائكة، وبدلا من التركيز على كيفية إدارة الآخرين لحكايتنا علينا أن نبدأ بتذخير أنفسنا لسرد حكايتنا بطريقتنا.
لكن ذلك مكلف، ونحن جميعا نعرف ذلك وأقل كلفة له أن هؤلاء الذين نراهم حولنا ويتقافزون على أكتافنا متحدثين باسم الدولة والنظام والانتماء ينبغي أن يغيبوا ولو قليلا عن الساحة.
لا يمكن الاستمرار في إدارة الأمور بالطريقة القديمة… في مسألة الهجمة الإعلامية الغربية جزء أساسي من «العيب» فينا.
عن «القدس العربي».