يلينا نيدوغينا*
أخيرًا وبعد انتظار عشرات السنين، تمكن المسيحيون الألبان من العودة إلى كنائسهم التاريخية، بعدما كادت تخضع للأبد للاستيطان والاستعمار الأرميني. واحدة من هذه الكنائس قائمة في قرية (توغ) بمحافظة (خوجاوند) الأذربيجانية المحرَرة.
للحفاظ على هذه الكنيسة كإرثٍ ديني وحضاري وتاريخي، سارعت الرئاسة الأذربيجانية بتسجيلها في السجل الرسمي كمَعلم ديني وطني ومعماري نادر، بالإضافة لتمَيز جوهرها الذي يَفيض بأهمية بالغة للشعب الأذري بأكمله بمسيحييه ومسلميه، ولهذا تقوم وزارة الثقافة في باكو مشكورة بمتابعة خدمَة الموقع والحفاظ عليه، وجعله متألقًا بعدما كادت مَعالمه تندثر على يد الاستعماريين الأرمينيين “المسيحيين؟!”.
تتناغم وتتقاطع الرئاستان الهاشمية الأردنية بقيادة سيدي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني المُعظم، والأذربيجانية بقيادة فخامة الرئيس الأخ إلهام علييف، في الحفاظ الكامل على الحريات الدينية وتعظيم رسائل السماء ولإنهاض دور المؤمنين في حياة روحية ومدنية مُثلى، وصيانة أماكن العبادة وحراستها لتقديمها في أبهى صورة للأجيال. ولهذا، نفتخر بلا حدود بالدور المحوري للزعيمين في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وفي الأراضي الأذربيجانية، ضمنها تلك التي تم تحريرها من الاحتلال الأرميني الطويل.
مؤخرًا تابع العَالم بشعوبه المختلفة الأديان والألسن، الحدث الكنسي – الدولتي الأذربيجاني المتفرّد في طبيعته الأممية، إذ سارع رئيس أذربيجان لإنقاذ الكنيسة الألبانية ومسيحييها، وبذلك سجل التاريخ والبشرية بنور ونار مآثرة جديدة للرئيس المُلهم إلهام علييف ودولته المُسلمة لفتت أنظار البشرية وأدَارَتَهَا صوب باكو. فجمهورية أذربيجان المُسلمة بقيادتها الذكية والممتلئة بالمشاعر الإنسانية والإيمانية، شرعت في زمن الصيام الفضيل لتأكيد تكاملات وتقاطعات المسلمين والمسيحيين، ولتعزيز أُخوّتهم وتضامنهم في شهر رمضان الفضيل وصيام الفصح المجيد، فمهّدت بالتالي الأوضاع أمام الطائفة الأودية المسيحية وممثليها للعودة لكنيستهم القديمة الواقعة في (قرية توغ)، والتي استكمل انعتاقها من الهيمنة الاستعمارية لأرمينيا، بعدما تسللت لقلوب وعقول الكثيرين مشاعر الإحباط من أن الكنيسة وأوقافها وأراضي أذربيجان التاريخية، وتبلغ نسبتها المئوية أكثر من عشرين بالمئة، قد تبقى تحت السيطرة الأجنبية التي عملت طويلًا على تهديم تراث وحضارة وتاريخ مساجد وكنائس غيرها من الشعوب.
المسيحيون الألبان هم السادة الحقيقيون للكنائس والعَمائر الألبانية الضاربة جذورها في التاريخ العتيق على أراضي أذربيجان المُسلمة، وقد اعتنقوا المسيحية في زمن مبكر، ولم تتمكن أرمينيا من إيجاد أية حُجة قانونية أو دينية أو مدنية تدّعي مِن خلالها بأن الألبان هم الأرمن، أو كنائس الألبان هي كنائس أرمينية. ومن هذه الكنائس، كنيسة القديس يوحنا المَعمدان (القديس يَحيى)، التي كادت تتفتت و/أو يتم سَحلها أرمينيًا بهدف محو طبيعتها القومية والإيمانية الألبانية. خلال الزمن الأذربيجاني كان الألبان المسيحيون يُحيون شعائرهم بحرية وفي حماية الرئيس الفذ إلهام علييف، وقد أناروا قُدس الأقداس بشموعهم ودموعهم المِدرارة.
وفي صدد مسيحية الألبان ومواقعهم الدينية، صرّح نائب رئيس الطائفة الألبانية، رفيق دنكاري، إن الكنيسة عبارة عن بِنَاء تعود ملكيته للدولة الألبانية القديمة. كذلك، أكد هذا الأمر الرئيس الأذربيجاني ذاته، وأعلن عن إن هذه الكنيسة تستقبل زوارها وأصحابها الحقيقيين بكل حرية وبدعم من السلطات الأذرية المُسلمة، وأضاف: في قرية توغ تتوافر ثلاثة مواقع دينية تاريخية ألبانية كمُصليات، وعشية الاحتلال حاولت يرفان الاستيلاء على كنيسة يوحنا المعمدان من خلال إجراء بعض “التغييرات” عليها من خلال تزوير التاريخ، إذ أنهم سجّلوا على الكنيسة كتابات باللغة الأرمينية، وغيّروا موقع “المذبح” فيها.. لكنهم فشلوا.
بدوره، كشف المدير التنفيذي لمركز باكو الدولي للتعددية الثقافية، عن أن أعضاء الطائفة الأودية الألبانية هم الورثة الحقيقيون للكنائس الرسولية، فهم يعيشون في مجتمع أذربيجاني يتسم بالسماحة والحرية وتعددية الثقافات، ويحافظون على معتقداتهم الروحية، والمِثال الواضح على ذلك هو أننا نزور اليوم الكنيسة الألبانية معًا.. وكما أكد رئيس الجمهورية إلهام علييف، فإن أعمال الترميم تجري على قدم وساق في الأراضي المُحرّرة، بما في ذلك إحياء هذه الكنائس ومواقع الصلاة المسيحية، رغبةُ بإعادتها لورثتها الحقيقيين.
من جهته، أعلن المدير التنفيذي لمركز باكو الدولي للتعددية الثقافية، روان حسنوف، في كلمته التي نشرت في الكثير من البلدان، أن العدالة التاريخية قد أعيدت بالفعل.. وأضاف: “ترحّب الكنيسة التي تعود بتاريخها للقرنين 12 و13 بأعضاء الطائفة الأودية الألبانية.. فبعد سنوات عديدة، أقاموا شعائرهم الدينية في أحضان سلام المكان الذي عاش فيه أجدادهم”. وبيّن: رأينا كيف أن الأرمينيين حاولوا الاستيلاء على هذه الكنيسة أيضاً.. ويبدو أنه تم إحضار حجارة جديدة نُقشت عليها أشكال أرمينية ، لكن ليس سهلاً تزوير الحقيقة التاريخية.. وخَتم حسنوف: لكن العالم كله بمسلميه ومسيحييه يعترف بأن هذا التراث وهذه الأراضي إنما تعود للأذربيجانيين”. ونُضيف من جانبنا على كلماته كلماتنا: التضامن الكوني الإسلامي المسيحي هو ضمانة الحريات الدينية، على مِثال الجهود المَبذولة أردنيًا وأذربيجانيًا.
*إعلامية ورئيسة تحرير “الملحق الروسي”.