هل تبقى دول الخليج متفرجة على الأزمة الأردنية دون تحرك من جهتها للمساعدة والمساهمة في تخفيف أعبائها المثقلة لكاهل النظام هناك؟
الوقوف بجانب الاْردن لم يعد ترفاً خليجياً بل كما أظن هو حاجة ماسة تتطلبها إستراتيجية التعامل والعلاقة وتفرضها الواقعية الجيوسياسية
مساعدة الأردن تتطلب من الحكومة الأردنية التأكيد على حرية التعبير والكلمة وحمايتها ورفض انتهاج سياسة القمع سبيلاً في إسكات الغضب الشعبي
“أريد الصمت كي أحيا، ولكن الذي ألقاه ينطقني”. (أحمد مطر)
سعد السعيدي
” الله يخون الموت عوايده يأخذ الغالي… دنيانا يا ماخذت رجال خذت شيوخ ومخاتير “… كلمات نبطية رددتها الأم المكلومة بصوت مخنوق بالكاد تخرج من فمها وهي تنظر بعينين دامعتين إلى جثمان ابنها العسكري العقيد عبدالرزاق الدلابيح الملفوف بعلم بلاده الأردن، والمسجى أمامها بعد ان اغتالته رصاصة أثناء الاحتجاجات الأخيرة في منطقة الحسينية بمحافظة معان جنوب الأردن.
أوجعت كلمات “شوفه”، وهو اسم الأم المكلومة، كل من سمعها لا سيما إن علمنا أن تلك الأم الصابرة بفقدها لابنها عبدالرزاق تكون قد فقدت الابن الرابع لها بعد وفاة ثلاثة من أشقائه أحدهم بسبب حادث سيارة وآخر غريق وثالث وهو ضابط عسكري بطلق ناري خطأ أثناء تنظيفه لسلاحه ..
وجع شوفه الزعبي وقصتها المؤلمة وصبرها المدهش وتماسكها رغم شعورك وإحساسك بانفطار قلبها لتحمله كل هذا الأسى والحسرة والألم ولكنه أسى وألم يشبه الألم والوجع الذي تمر به بلادها الأردن وتحمله للظروف الصعبة وتماسكه في ظل هزات اقتصادية أثرت كثيراً في دول ذات ملاءة مالية كبيرة فما بالك ببلد ذو موارد محدودة وضعيفة مثل الاْردن بلد “شوفه الزعبي؟
ما جرى ويجري في بعض مدن الأردن لاسيما الجنوبية منها ، يجب أن يدق نواقيس التحذير ولا أقول ناقوساً واحداً ويجب أن يُسمعُ صوت النواقيس في جميع عواصم ومدن دول الخليج ، وذلك لأهمية الحدث وتعقيدات أطرافه وتشابك خيوط معالجة آثاره ، ومن هنا قد يكون الوصف الأمثل لما حدث والتقييم الحقيقي والمناسب هو أن الخطب جلل ، وليس في ذلك تضخيم أو سوء تقدير نظراً للواقعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تضطرب وتأخذ منحى تصاعدياً على مستوى القاعدة بعد ازدياد مساحة الفقر وتوسع رقعة نقد وغضب لا يمكن التنبؤ بنتائجه وإلى أي مسار وطريق يجر البلاد وبالطبع لن تتوقف التأثيرات والنتائج عند حدود الأردن بل ستتعداها إلى دول الخليج إن لم تتجاوزها إلى ما هو أبعد من ذلك…. وهنا مكمن الخطر والخطورة!
ما نشاهده عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو مصورة لحالة الغضب الأردني تبين حالة احتقان تزحف نحو خط النهاية وتقترب من لحظة الانفجار لا سيما وأن هذه الحالة أصبحت تتكرر في السنوات القليلة الماضية وتطل برأسها بين فترة وأخرى دون أن تنفع معها كما يبدو جميع المهدئات سواء الوعود الحكومية أو الحلول الترقيعية التي كان مصيرها الفشل في اختراق جدار الأزمة أو تهدئة الأوضاع والقضاء عليها بشكل تام ، لذلك فإنه ما لم تتم إعادة ضبط الحالة والتعرف على المسببات ومعالجتها بشكل جذري فإن التوتر والاحتقان لن يذوب طالما محركاته موجودة ومتأصلة وبدأت تتعمق في المجتمع ، بل إنها سوف تزداد حدة ووحشية عن المرة التي قبلها حتى تأتي اللحظة التي تنفجر فيها الأوضاع وحينها قد يدخل الأردن صندوق الفوضى والتشظي لا سمح الله.
وضع أعواد الثقاب بقرب محطة البنزين وتوقع عدم الاشتعال هو الجنون بعينه ، لذلك فإن الحالة الاقتصادية المتردية التي تعاني منها الأسرة الأردنية دون الخوض في تفاصيلها حين يصاحبها رفع لأسعار سلع ضرورية فالنتيجة المتوقعة والطبيعية هي أن الناس لن تصمت لا سيما بعد أن فقدت قدرة الاحتمال والصبر على الرفع المتوالي والمستمر للأسعار وعلى فترات زمنية متقاربة ولمواد ضرورية لاغنى للانسان عنها، ومن هنا ندرك ونتفهم غضب الشعب الأردني من هذه الزيادات المستمرة والمستعرة التي أحرقت المدخرات وهزت الوضع الاجتماعي بعد أن عبثت في الوضع الاقتصادي للأسرة الأردنية، غير أن هذا الأمر يقابله أيضاً محدودية موارد الدولة بل فقرها لا سيما وأن الاْردن يعتمد على المساعدات الأجنبية سواء تلك التي تصله من الولايات المتحدة وأوروبا أو تلك المساعدات المتقطعة من بعض دول الخليج فضلا عن تحويلات المغتربين في الخارج ولا أظن كل ذلك قادر على الحد من هذا التدهور السريع في ميزانيات العائلات الأردنية وإسكات الغضب الشعبي والقضاء على مسبباته.
إذن ما هو الحل في ظل هذا العجز لحكومة الأردن الذي يمكن تفهمه وبين غضب شعبي أيضاً يمكن تفهمه طالما الارتفاع المحموم في الأسعار لم يتوقف والظروف في الدولة كما يبدو لن تتغير بين عشية وضحاها!
هنا أريد أن أوسع الدائرة لإيماني بأن مجريات الحدث في مدن الأردن الجنوبية ستتعدى بشكل يكاد محسوماً ومؤكداً، حدود الأردن وستنتقل هذه الشرارة اذا ما اشتعلت لاسمح الله إلى دول الجوار ، ودول الجوار التي أقصدها هي دول الخليج .
هل تبقى دول الخليج متفرجة على الأزمة الأردنية دون تحرك من جهتها للمساعدة والمساهمة في تخفيف أعبائها المثقلة لكاهل النظام هناك؟ أم تنوي دول الخليج ترك الأردن يصارع ظروفه وحيدًا متحملة ما ينتج من آثار جرائها؟
دون أدنى شك وبنسبة خطأ تكاد تكون معدومة حين ترتبك الأوضاع في الأردن وتعم الفوضى فإنه حينها لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور وأقصد هنا بالأمور تلك المتعلقة في دول الخليج مع ما نشاهده ونسمعه من أزمات حادة تمر بالعالم على جميع المستويات سواء السياسية منها أو الأمنية والاقتصادية بل وحتى الصحية، وطالما محرك الحدث في الاأردن اقتصادي خالص حتى اللحظة فإنه يمكن السيطرة عليه وعدم تفاقم آثاره.
ومن هنا فإنه من مصلحة دول الخليج الإسراع بأقصى سرعة للمساهمة بوضع حلول تساعد صانع القرار الأردني في تفكيك محركات الأزمة وقطع دابرها واشتعال فتيلها بغية اعادة الاستقرار للبلاد والعمل سويا على عدم تكرار تلك الاحتجاجات وتدوير الغضب الشعبي ليكون صوتا داعما للنظام والاستقرار وذلك من خلال التوافق على خطة “مارشال خليجي ” يتم بموجبها إصلاح ودعم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للإنسان الأردني عبر انجاز مشاريع كبرى تهيئ فرص عمل للأردنيين وفِي نفس الوقت تُسرع في حركة ودورة الاقتصاد الأردني البطيئ بسبب ظروفه.
كما يمكن الاستفادة أيضاً من الإنسان الأردني واستقدامه للعمل في دول الخليج بحيث تكون له الأولوية في شتى المجالات التي تحتاجها دول الخليج ، وحتى تتحقق هذه الأمور التي تحتاج إلى وقت ليس بالقصير فإنه يتوجب على دول الخليج لإطفاء الاحتجاجات وطمأنة المحتجين العمل على دعم البنك المركزي الأردني بودائع مالية وإرسال مساعدات مالية عاجلة يتم التخطيط لتوجيهها بشكل مدروس من خلال التنسيق مع جمعيات مدنية أردنية معروفة ومشهود لها بالنزاهة بحيث يتم تحويل تلك الأموال لمراكز البيع بغية شراء وتوفير السلع الضرورية من أماكنها وإعادة بيعها للمواطنين الأردنيين بأسعار معقولة وقبل الزيادة التي طالتها مؤخراً، على أن تتحمل الجهات الخليجية الفروقات المالية بين عملية البيع والشراء ، وهذا الإجراء يمكن تعميمه على محطات البنزين والديزل والمازوت وغيره من المواد الضرورية للإنسان الأردني، بالطبع هذا يساهم بوأد الأزمة ويخلق الاستقرار ويعيد الطمأنينة للنظام والمجتمع وهو الأمر الذي ينعكس على استقرار دول الخليج وأنظمته ومجتمعه حتى تدور عجلة المشاريع الكبرى التي تهدف لخلق فرص عمل واستثمارات تبعد شبح الفوضى عن البلاد.
الوقوف بجانب الاْردن لم يعد ترفاً خليجياً بل كما أظن هو حاجة ماسة تتطلبها إستراتيجية التعامل والعلاقة وتفرضها الواقعية الجيوسياسية ، وما حدث مع البحرين وسلطنة عمان عام 2011 إبان الربيع العربي يشبه تقريباً ما يحدث في الاْردن وقد لا أكون متشائماً حين أرى تماثله وتطابقه وتشابهه مع سيناريو الدولتين الخليجيتين أو تكراراً لما أصابهما قبل أحد عشر عاماً مضت، ولذلك سارعت دول الخليج في تخصيص ما سمي حينها بمارشال خليجي بقيمة 10 مليارات دولار مناصفة بين الدولتين نجح في تهدئة الأوضاع وإبعاد شبح الفوضى عن الدولتين وبقية دول الخليج بعد أن شهدنا تصعيداً خطيراً واحتجاجات واسعة ارتفع معها سقف المطالب ومعه إرتفع منسوب القلق والتوتر والاحتقان حتى وصل في بعض الأحيان إلى ما هو أبعد من الانفلات الامني وهو تهديد وجود وكينونة الدولة والأقليم.
مساعدة الأردن تتطلب من الحكومة الأردنية التأكيد على حرية التعبير والكلمة وحمايتها ورفض انتهاج سياسة القمع سبيلاً في إسكات الغضب الشعبي ووسيلة في القضاء على الاحتجاجات المستحقة فذلك يمثل خطراً داهماً قد يعجل في اخراج البلد عن السيطرة ، فكتم الغضب أو محاولة اتباع سياسة الضرب بيد من حديد إنما هي سياسة لم تثبت نجاحها فضلاً عن ثبوت عدم جدواها في الحلول ، ومخاطرها ومساوئها أكثر بكثير من منافعها .
من القلب عزائي الحار لتلك المرأة الصابرة المحتسبة والدة الشهيد بإذن الله العقيد عبدالرزاق الدلابيح، وأملي أن يتجاوز الاأردن أزمته بمساعدة أشقائه من دول الخليج، فالأزمة أكبر ودائرتها أوسع من الأردن وتتجاوز حدوده ..
حفظ الله الأردن ودول الخليج وجيرانهم وشعوبهم من كل شر ..
سعد السعيدي – كاتب كويتي
المصدر: موقع الآن