أسامة الرنتيسي –
لست من المتفائلين بأن الحديث المتواتر عن الإصلاح ومِن أين نبدأ به، سوف ينتج إصلاحا، لأننا ندور في هذه الدوامة منذ سنين، وترتفع الأصوات عند كل مفصل ومفترق طرق، وتبقى الأمور على حالها.
وما يزيد عدم التفاؤل، أن الذين يرفعون الصوت الآن عن الإصلاح وضرورته، هم مشاركون فعليون ومقررون في الحياة السياسية التي يطالب الإصلاحيون الحقيقيون بضرورة إصلاح مفاسدها.
فعن أي إصلاح يتحدثون، وهل سيبتعدون عن المنصات قليلا لإفساح المجال لغيرهم كي يضعوا بصماتهم على المرحلة الجديدة.
الحديث عن الإصلاح في الأردن يشبه كثيرا الحديث عن محاربة الفساد، التي ختمها قبل أيام رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد مهند حجازي بقوله: إن “هناك الكثير من المؤسسات والشخصيات العامة اغتيلت باسم الفساد”.
يسربون؛ ان لجنة تجتمع في دار الرئاسة وتضع معالم جديدة لمشروع إصلاح متكامل يصل إلى التعديلات الدستورية، وقانون انتخاب جديد، وهذا يعني مجلس نواب جديد بانتخابات جديدة، وهذا لا يستقيم مع المنطق ولا مع انتخابات ومجلس لم يمض عليهما عامٌ واحدٌ.
ويسربون؛ أن شخصية سياسية كُلّفت بإعداد مشروع إصلاحي شامل سيبدأ (وقد بدأ) بلقاءات مع الفعاليات السياسية والحزبية، للاستماع إلى وجهات نظرهم عن أولويات الإصلاح، ومن أين نبدأ؟.
التفكير ذاته، نمارسه منذ سنوات، كنا نشكل لجانا تجتمع لأشهر وتخرج بتوصيات عميقة، مثلما يتم الحديث الآن عن إصلاحات عميقة، بقانون انتخاب عميق، بأفضل نسخة، وحيث اكتشفنا الآن أن القوانين التي نتباها بها في السنوات الماضية سطحية.
هذا الأمر جُرب مرات ومرات، وجرت حوارات تبدأ من نقطة الصفر دائما، مع أننا نمتلك مشروعات إصلاحية صاغتها نخب مُقَدَّرة، في لجنة الحوار الوطني برئاسة طاهر المصري، والأجندة الوطنية برئاسة مروان المعشر، فَلِمَ دائما نريد أن نخترع العجلة من جديد، ولا نعود لتفاهماتنا القديمة – الجديدة.
لنتحدث بعمق أكثر، عندما تُعالج القضايا الكبرى بأسلوب الطبطبة وبوس اللّحى، ويتم التباهي بتجاوز دولة القانون، ويتم الحديث عن المحاصصة والجهوية والمناطقية، و”أنا وابن عمي على الغريب..”، وانصر أخاك ظالما أو ظالما…، وأسيادكم في الجاهلية أسيادكم في الإسلام، وتتوسع لغة الكراهية والحقد والسموم بين نسيج المجتمع، فإن النتيجة المتوقعة، مشاجرات ومُسيّل للدموع وتهديدات، وقتلى في عز الشباب.
المدخل الوحيد لرفع منسوب القناعات في الإصلاح هو تعزيز قيمة المواطنة الحقيقية، وأن الجميع أمام القانون سواسية، فعلا لا قولا، وأن الحقوق مصانة، وأن التعيينات معيارها الوحيد الكفاية، لا أي معيار آخر.
قرأت تعقيبا مطولا لزعيم حزب جبهة العمل الإسلامي المهندس مراد العضايلة عن لقاء القوى السياسية مع رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، تأكدت أننا بعيدون جدا عن مشروع الإصلاح، لأننا ندور في الدائرة ذاتها ولم نخرج منها بأي إنجازات.
الدايم الله….