حتى لا يمر أي قرار صادر عن الإدارة العامة، مرور الكرام علينا دوماً – وأدعو من يستطيع من المختصين – أن نؤشر و بالحجة على كل فساد مُرتكب، حتى نُعرّي متخذ القرار، وحتى نضع من هم في سلطة المحاسبة أمام مسؤولياتهم، فإن مارسوا سلطاتهم القانونية، كانوا أمينين على ما أوكلهم الدستور والقانون، وإن تخلفوا أو تهاونوا، نالوا ما يستحقون شعبياً، وأخلاقياً، ودينياً.
تداول الأردنيون وعلى نطاق واسع، قرار رئاسة الوزراء مؤخراً، المتضمن تعيين مدير عام لهيئة الإعلام المرئي والمسموع، وتباينت آراء الأردنيين بين متهكم، وناقد، وساخر، وأجمعوا على أن حكومتنا غير الرشيدة، كانت غير عادلة بقرارها، وأنها تجاوزت القانون، ومنهم من أعتبره مكافأة على مواقف سياسية مؤخراً، ومنهم من أعتبر أن قرار التعيين، محاولة لتجنب الإنتقادات التي كان المدير المعين، ينثرها بوجه الحكومة والمواطنيين بشكل علني، ومنها انتقاده المباشر للهيئات المستقلة، وكثير من التعليقات نالت شخص المدير المعين، على قاعدة لا تَنهى عن نهيٍ وتأتي مثله، فإن فعلت فتحمّل حِملُ ما حَملتَ.
طالعنا رئيس الحكومة مؤخراً، مترافعاً أمام النواب، حول سموّ المعاهدات على القوانين الداخلية، وبما أنه قانوني ويعلم فإن مسؤوليته مضاعفة، ولذلك نسأله ونسأل فريقه ووزرائه، وتحديدا القانونيين منهم، لماذا خالفتم – بقرار التعيين محل هذا المقال – المادة ( 12/1) من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والمصدق عليها لدينا بالقانون ( 28 ) لسنة 2004، ولماذا خالفتم كذلك الإتفاقية العربية لمكافحة الفساد، والمصدق عليها لدينا بالقانون رقم ( 21 ) لسنة 2012، هذا من حيث الإتفاقات الدولية، ومن حيث تشريعنا الداخلي، لماذا تمت مخالفة النظام رقم ( 78 ) لسنة 2019، وهو نظام التعيين في الوظائف القيادية، والأدهى أنه مستند مباشرة لنص المادة 120 من الدستور الاردني؟
إن قرار مجلس الوزراء بالتعيين وكما هو مخالف لما تقدم، مخالف أيضاً للمادة ( 4 ) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد، بفقراته [ ج، د، ه، ط، ي ] فالفقرة ( ج ) تقضي بأن صلاحية الهيئة هي ” التأكد من التزام الإدارة العامة بمبادئ الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة ولإستحقاق وتكافؤ الفرص ” والفقرة ( ه) تقضي ” بضرورة التأكد من تطبيق الإدارة العامة للتشريعات بشفافية، وبما يحقق مبادىء العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص”، والفقرة ( ط ) تقضي بضروة ” التحري عن الفساد المالي والإداري بكل أشكاله، والكشف عن المخالفات والتجاوزات وجمع الأدلة والمعلومات الخاصة بذلك، ومباشرة التحقيقات والسير في الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لذلك”، والفقرة ( ي ) تقضي بــ ” ملاحقة كل من يرتكب أياً من أفعال الفساد وإتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك “.
هذا هو الفساد الإداري الفاضح، وبالرغم من أن هذا التعيين لاقى شجب واستنكار شعبيين، إلا أن الحكومة المرتَكِبة لهذا الفساد، صمّت آذانها، وصمتت صمت القبور. هذا مقال أمام نوابا الشعب، ليقوموا بدورهم الدستوري إن أرادواّ !