يبدو ان الانتخابات استيقظت مبكرا وأخذت تتململ منذ الآن ..ربما ايقظها وحرك ركودها رئيس الوزراء بشر الخصاونه حين تناولها خلال مهرجانه الاخير في الجامعه الاردنية ونبه الى اقتراب موعدها..قال انها ستأتي بعد سنه وشهر فقط.
بالأمس تخطى احدهم حاجز الحزن وهمس بأذني همسة انتخابيه ونحن في المقبرة منهمكون بعملية دفن كبرى.. كبري ليس لاهمية المرحوم ومكانته قبل الوفاه، وانما لاهمية احد ابنائه الذي يحتل موقع على درجه عاليه من الحساسية وشاهقة الارتفاع ، وكانت الوفاة اضافة لكسب الحسنات مناسبة لكسب ود صاحب المقام العالي والتقرب اليه زلفى ، بل ان الاغلبية أتت للسبب الثاني من كل فج عميق ،ولم تستحضر حين ذاك نية الحسنات، فاكتظت المقبرة بجموع المعزين ،وتزاحموا، وتدافعوا ايضا، ووقفوا اخيرا حول القبر كالبنيان المرصوص كما رأيت .
كان المرحوم والحق يقال تقي نقي، وهو رجل بيتوتي من طراز رفيع لا شأن له بالاخرين، فقلما كان يندمج بالناس، وقد بلغ من العمر عتيا، ولم يكن صنديد ولا ذو بأس شديد ولا مواقف من حديد كما وصفوه تملقا ورياء وهم يضعون فوقه التراب ، هذا مجرد تنويه قبل المباشره بطرق موضوع الهمسة الانتخابية.
ابتعد محدثي ما إن لمح مني شارة امتعاض عاجلة لإعتبارات من عدم اللباقة في اختيار الزمان والمكان اللائقين لتسويق النفس، ومجافاة جلال مناسبة الموت ،ومتطلبات احترام الموقف الكبير الذي كنا فيه ، بيد اني أخذت ارقبه وهو يطوف على الحاضرين ، يسلم بحرارة على هذا ويصافح ذاك، يضم اليه الرجال ويقبلهم تقبيلا ، بدأ يتمتم ثم اخذ يثرثر ويثرثر.
ولحين وصول النعش حاولت تبديد الوقت، فتتبعت خطى الرجل ودنوت منه لأسترق السمع، اصغيت اليه وهو يشجب الانتهاكات الصهونية للمسجد الاقصى، ويتحدث عن حل الدولتين، وعن تفشي المخدرات في المجتمع الاردني والفساد والفقر والبطاله ووسائل علاجها الصحيحة. وأسهب بذلك الى ان قطع الشيخ حبل حديثه داعيا للميت بالتثبيت عند سؤال الملكين.
ليست المحاولة الاولى . هي المحاولة الرابعه على ما اذكر ويفشل هذا بخوض التجربة، وكان في كل مرة يلمح بأنه ذو علاقه متينة مع (الدائره) الانتخابية . واخذ الضوء الاخضر من القاطنين فيها ،مؤكدا ان فوزه تحصيل حاصل لكن لا غنى له عن دفشة القابرين .
عند انتهاء مراسم الدفن ظننت اني نجوت من ذلك الثقيل ،لكنه لاحقني قبل ان اتمكن من الوصول لسيارتي وأتوارى عن ناظريه واذا به يمسك بيدي اليمنى. ويقول كيفك باشا .شلونك يا شعر شواربي ..انخاك ولا انخى الذيب ..بدي فزعتك بالانتخابات.
ورغم انه يعرف انني اعرفه منذ ان كان في المهد صبيا، واعرف امه وابيه وعشيرته التي لم تنتخبه ،الا ان المسكين أخذ يشرح لي عن نفسه ويمعن في التفاصيل . ثم بالغ في المديح والاطراء .قال كيف عطوفتك.. والله انا مقصر معك. كيف الاهل والاولاد ،طمني عنك،بالله عليك تسلملي على اخوك.