حدائق الملك عبدالله ….من عجائب الدنيا في هدر المال العام

محمد قاسم عابورة –

ما أن وصلت إلى تقاطع إشارات وادي صقرة قادما من الدوار الخامس بصحبة صديق من دولة عربية مجاورة يزور الأردن بقصد السياحة ، حتى باغتتنا الإشارة الحمراء والتي أجبرتنا على الوقوف المفاجئ والإجباري خوفا من مخالفة مغلظة ، فبادرني صديقي السائح العربي بالسؤال عن الأقواس الأسمنتية واطلال مبان حجرية يحاصرها بعض العشب الجاف والتي بالتأكيد أصبحت المأوى المثالي لزواحف وحيوانات ومخلوقات وجدت من المكان ضالتها وما يمنحا الأمان وفرصة التكاثر لحفظ النوع وزيادته .

وتوقفت امام أطلال حدائق الملك عبدالله الواقعة على سفح الشميساني بعد ان أعطتنا الإشارة الخضراء الإذن بالتحرك ، تلعثمت قليلا ، ثم عصرت ذاكرتي ومعلوماتي التاريخية عن المنطقة وتاريخها ، واسترسلت بالإجابة ممارسا دور الدليل السياحي ، وقلت له بأن هذه المنطقة من العالم بناها العمّانيون في أواخر القرن العشرين ، حيث طوع العمانيون الخرسانة المسلحة ، فأبدعوا هذه الأقواس الإسمنتية الجملة ، وكذلك استعمل العمانيون الحجر الذي جلبوه من رويشد ومعان ، وشكلوه ونحتوه لبناء هذه الأطلال الحجرية بمهارة .

لقد أبدع العمانيون الأوائل في بناء هذه المعالم أثرية ، حيث كان العمانيون في القرن العشرين يقدرون الفنون فكما تلاحظ عظمة هذا المسرح المكشوف الذي كانت تعزف فيه الموسيقى ، وكان يعج برواده من عشاق المسرح والحفلات الفنية ، كان العمانيون في القرن العشرين يهتمون في الثقافة ، لذلك يحتوي هذا الصرح الأثري على العديد من قاعات القراءة وعقد الندوات الفكرية والأدبية .

لقد إهتم العمانيون الأوائل في القرن العشرين برفاهية المواطن ، فصمموا هذا الصرح ليمارس الإنسان متعته وسعادته وهواياته ، مساحات واسعة للمشي والرياضة ، والعاب للأطفال ، استراحات ومقاهي ، مطاعم وقاعات ، لقد راعى العمانيون الأوائل ان يحتوي هذا الصرح الأثري كل ما يساعد على رفاهية المواطن وسعادته .

لقد كان في هذا الصرح الأثري الذي تم إنشاؤه في اواخر القرن العشرين مدينة ترفيهية متكاملة تدل على ذوق العمانيون الرفيع في تلك الحقبة البائدة من الزمن ، لقد عرف العمانيون ( التلفريك ) فكنت تشاهد عربات معلقة تسير على حبال قوية مشدودة تغطي مساحة تمكنك من الإستمتاع برؤية بعض تفاصيل هذه االحدائق من الأعلى ، لقد عرف العمانيون ألأوائل (التلفريك ) قبل اشقاءهم العجلونيين الذين لم يعرفوا متعة (التلفريك ) إلاّ في اوائل القرن الواحد والعشرين .

لقد تحولت حدائق الملك عبدالله في وادي صقرة بكبسة زر إلى محمية طبيعية لزواحف وقوارض وحشرات بهدف الحفاظ على التنوع البيئي ، وهذه عبقرية لا يتمتع احد بها إلا اصحاب القرار من العمانيين المسؤولين عن ما آلت اليه حال هذه الحدائق .

…. فعلا انها احدى عجائب الدنيا في هدر المال العام خاصة اذا عرفنا مقدار الملايين التي خسرناها خلال السنوات الماضية والمتراكمة لعدم استثمار الحديقة ومرافقها ، ، وكم من الملايين والتي ستتجاوز المليار من الدنانير كلفة لصيانتها وإعادة تأهيلها مع اضافة الخسائر المتراكمة الناجمة أيضا عن عدم استغلالها طيلة سنوات الصيانة وإعادة التأهيل .

أخيرا هل يمكن أن نقول بصوت عالٍ كفانا عجائب ،، هل آن الأوان أن نطالب المسؤولين وأصحاب القرار الإكتفاء بما أهدرناه بهذه العجيبة في عمّان وغيرها من المدن ، وان لا نرى عجائب اخرى في هدر المال العام في القرن الواحد والعشرين ، إلاّ إذا كان هذا هو الأسلوب والنهج الإستثماري الأمثل والأنجع في زيادة حجم الدين العام لمصلحة الوطن والمواطن ……؟!!!!!!!!! ؟