نديم عبد الصمد
في الوقت الذي خلقت فيه مواقع التواصل الاجتماعي واقعاً جديداً من حرية التعبير لا يمكن تجاهله أو نكرانه بأي شكل من الأشكال، تقوم مؤسسات عامة وخاصة في الأردن بكبح حرية موظفيها بالتعبير عن الانتهاكات التي يتعرضون لها في مؤسساتهم، من خلال تهديدهم أو إنذارهم بـ”خطورة” ما يفعلون.
مما لا شك فيه أن حرية التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي، والتي تقود إلى حرية التعبير بشكل مباشر، مقيدة بالقوانين الأردنية، إلا أن التخوف يزداد في حال انتقل هذا القيد إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب خبراء.
ومن المقلق أكثر، أن الأشخاص الذين تواصل معهم المرصد العمالي الأردني، من مؤسسات حكومية وخاصة، لم يعبروا عن رأيهم بإساءة لصاحب العمل أو المؤسسة، بل العكس، بعضهم لم يعبر عن رأيه قط وتم توجيه إنذار له بسب إعادة نشر “بوست” على فيسبوك.
“صوتنا ما حدا بسمعه”
نشر (أبو يزن)، عامل وطن في بلدية اربد، مقطع فيديو قصير على صفحته في فيسيوك، يروي فيه معاناة عمال الوطن اليومية بسبب تراكم النفايات أمام المحلات التجارية في وسط مدينة اربد، قائلا “صوت عامل الوطن ما حدا بسمعه كونه زبال”.
وقام (أبو يزن) في تصوير الفيديو الذي انتشر منذ أسبوعين على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل توعية الناس بضرورة عدم رمي النفايات بشكل عشوائي، مبينا في كلامه الذي وجهه إلى كل من يرى الفيديو، لا ترموا نفاياتكم بشكل عشوائي، حسوا فينا”.
وعلى أثر هذا الفيديو تم استدعاء (أبو يزن) إلى مبنى المحافظة في اربد لتأنيبه على ما يقوم بنشره على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب ما ذكره أحمد السعدي، رئيس اتحاد النقابات المستقلة للعاملين في البلديات، في منشور له على “فيسبوك”، لافتا في حديثه إلى أنه “هاي ظاهرة جديدة في البلديات”.
ويذكر أن رئيس لجنة بلدية أربد الكبرى، الذي استدعى أبو يزن، هو نفسه نائب محافظ اربد الكبرى، وفي تصريح صحفي للبلدية تقول أنّ استدعاء العامل لم يكن بناءً على طلب الحاكم الإداري بل كرئيس لجنة بلدية اربد.
وبررت البلدية ذلك بأن رئيس لجنة البلدية الذي يعمل بالمحافظة يضطر في بعض الأحيان ان يقوم بإنجاز العديد من أعمال رئاسة البلدية في مكتبه في المحافظة.
لكن السعدي رفض هذا الأمر، قائلا تكليف المتصرفين برئاسة البلديات لا يعني تبعية البلدية للمحافظة، فهي مؤسسات مستقلة ضمن القانون ولا يوجد ما يجرم العامل أو الموظف في حال استخدم صفحات التواصل الاجتماعي لنشر التوعية بخصوص آلية طرح النفايات”.
“لا بالخير ولا بالشر”.. الكلام ممنوع
في حين حاول عامل الوطن (أبو يزن) التعبير عن رأيه بقضايا أقرب ما تكون إلى قضايا مجتمعية غير مرتبطة بشكل مباشر بالبلديات وعملها، تقول دراسة بعنوان “العلاقة بين حرية التعبير والأمن في الأردن”، أعدتها شركة أطلس لتنمية الموارد البشرية بدعم من المركز الوطني لحقوق الإنسان: “إن المجتمعات تبحث عن حرية التعبير والوصول لمجتمع مفتوح لا تقيدّه الأنظمة والسلطات”.
وتضيف الدراسة أن الحكومات تقحم نفسها في الرقابة على مختلف أشكال التعبير حيث غريزة حرية التعبير تقابلها غريزة الرقابة، لذلك تلجأ الحكومات لفرض عقوبات على التعبير الخارج على القانون، كأن يمس بالأمن الوطني أو النظام الاجتماعي أو الآداب العامة، وهذا عكس ما قام به (أبو يزن) الذي دعا المواطنين إلى المحافظة على النظافة.
لم تكن قصة عامل الوطن أبو يزن الوحيدة من نوعها، ففي عام 2019 قرر رئيس بلدية الطفيلة فصل عامل بسبب “تحدثه في شؤون البلدية على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب كتاب رسمي يحتفظ به “المرصد العمالي الأردني”، صادر عن البلدية في شهر نيسان 2019.
“سمعة” الإدارة أهم من العمال أنفسهم
كذلك الأمر، قامت إحدى الشركات الخاصة الكبيرة في الأردن، والتي لديها ملف حافل لدى “المرصد العمالي الأردني” بانتهاك الحقوق العمالية، بإرسال تنبيه خطي لعدد من موظفي الشركة الذين قاموا فقط بمشاركة خبر على صفحاتهم ينتقد سياسات الشركة التعسفية التي أجبرت عامل فيها على الانتحار.
وجاء في العقوبة، التي تم توجيهها للموظفين، وحصل “المرصد العمالي” على نسخة منها: أن الموظفين قاموا “بمخالفة التعليمات الصادرة بشأن العمل بخصوص سياسة استخدام الموظفين لوسائل التواصل الاجتماعي”، وأنهم أساؤوا لـ”سمعة الشركة” على مواقع التواصل الاجتماعي، وعليه قررت الموارد البشرية بالشركة بإصدار مخالفة “دون الاستماع لأقوال الموظفين”، كما جاء في الرسالة التي وصلت مجموعة منهم.
تقول، هديل القضاة، الباحثة في شؤون الحريات والمجتمع المدني في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أن حرية الرأي والتعبير، حق أساسي أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة التاسعة عشر، وعلى الرغم من أن الدستور الأردني كفل الحريات الأساسية للرأي والخصوصية في المادتين الخامسة عشر والثامنة عشر منه، إلا أنه لا يزال هناك توسع بفرض قيود على حرية التعبير (غير قابلة للتصرف).
وتضيف القضاة، أن هذا التضييق هو من سمح لأصحاب الأعمال، بتجاوز حدودهم لتصل بفرض السلطة على الحسابات الشخصية للعاملين لديهم، واتخاذ إجراءات تعسفية ضدهم بسبب منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي. مشيرة في حديثها لـ “المرصد العمالي” أنه غالبا ما يكون النظام الداخلي للمنشأة وحماية سمعتها هو مبرر لأصحاب الأعمال يتخذونه ذريعة لممارسة تسلطهم على العمال، حتى وان كان مجرد تلميح أو إعادة نشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولفتت القضاة إلى أن المؤسسات التي يتمتع فيها العمال بكافة حقوقهم، لا ترتكب هكذا ممارسات، بل تحاول أن تخلق المزيد من الامتيازات لعمالها، للوصول الى الرضى الوظيفي الذي يقود إلى مزيد من الإنتاجية في العمل.
المرصد العمالي الأردني