لَم أَكُن حِزْبيًّا يوْمًا ولو كُنْت لِمَا اِنْخلَعتْ عن الحزْب . . فالْأحْزاب بِنظري أَوطَان لَهَا مَكانَة اَلأُبوة فِي الطَّاعة والتَّوْقير والاحْترام .
وَسأفْشِي سِرًّا أَنَّه فِي حِقْبَة الثَّمانينيَّات ، طَرْح أصْدقائي المقرَّبين فِي مَسَاء عَصرِية يَوْم غَائِم ، فِكْرَة تَأسِيس حِزْب وتشجِّعنَا لِلْفكْرة ، وبعْد أَيَّام لَم تُمْطِر الفكْرة وَتَلاشَت ، وَكَأننَا لَم نطْرحْهَا ، ولم يُفْلِح إِلَّا وَاحِد مِنَّا فِي أن يَكُون حِزْبيًّا مَرمُوقا ومعْروفًا .
فيَا أَخِي اَلحزْبِي مَا دَامَت الدَّوْلة فَتحَت أَبوَاب الحزْبيَّة ، فَامضِي نَحْو الضَّوْء وَصَار بِإمْكانك أن تَعمَل بعيدًا عن العتَمة والظَّلام ، وتكوُّن فِي حَضرَة الوطن .
وأرْجو أن تَعذُرني فِي تساؤلاتي ومَا آل إِلَيه خَاطرِي ولك أن تُصنِّف أفْكاري كمَا تَشَاء ، وتابع رَأيِي أو تُرَّهاتي .
إِنَّ تَستَقِل مِن حِزْب يُعِن أَنَّك تَخلَع أُبوَّة الحزْب وَتمضِي لِرغْباتك ومصالحك وَكَأنَّك غَيْر مُتَصالِح مع نَفسِك ، وَفجْأَة وَدُون مُقدمَات تَقُول لِلْآخرين بِرسالة جَامِحة إِنَّ الحزْب يَتَعارَض مع حَياتِك العمليَّة والْخاصَّة ، مع أَنَّك رَضيَت هَذِه اَلأُبوة الحزْبيَّة دُون أن يدْفعك إِليْهَا أحد وَتدرِك أنَّ لِهَذا الحزْب وقْتًا سيقْتَطع مِن وَقْت حَياتِك كمَا هِي العمليَّة والْخاصَّة .
أنَّ تَستقِيل مِن حِزْب أَنْت أَسَاس عَمودِه اَلفقْرِي وَمِن اَلممْكِن أن تَكُون مِن مُؤسِّسِيه أو الدَّاعمين لَه بِجهْدك وَمالِك ، وَفجْأَة دَوَّن مُكَاشفَة تُدير لَه ظَهرِك ، يَعنِي أنَّ الحزْب سيعاني مِن إِعاقة حَرَكيَّة فانْزياح فِقْرَة مِن فِقْراته تَعنِي أحْيانًا شللا فِي أحد أطْرافه ، مَا يَعنِي أَنَّه سَيظَل مُرْتجِفًا وقواعده اَلتِي يَرتَكِز عليْهَا تَتَراقَص لَا تَقوَى على الثَّبَات ، حَتَّى تَجِد أَعمِدة الحزْب مِن هُو بِثقْلك وَيسُد مكانك .
إِنَّ تَستَقِل مِن حِزْب يُعِن أَنَّك غَيْر مُقْتَنِع بِكلِّ صَنيعِك وهنْدستك لِمشْروع حِزْبِك اَلذِي عُقدَت عليْه أملا كبيرًا فِي مَنصِب سِياسيٍّ ، وَعدَم قَناعَة بِالْإيْدلوجْيَا اَلتِي اِرْتضيْتهَا ، ولَا حَتَّى بِالْبرامج اَلتِي رَسمَت لَه الزَّعامات الحزْبيَّة ، عِنْدمَا تَتَخلَّى عن الحزْب أيْ كان فَكَأنَّك تَتَخلَّى عن مَبادِئ ورسالة وفكْر اِستمَر تبنِّيه حدَّ الاعْتقاد بِهيْمنته على مَا سِوَاه .
قديمًا عِنْدمَا تَدخَّل الحزْب مِن بوَّابَته يَعنِي أَنَّه وُجْهتك إِلى آخر عُمرَك ، ولَا يُمْكِنك أن تُدير لَه ظَهرِك إِلَّا إِذَا هُو لَفظُك مِن أحْضانه .
الأحْزاب أَنظِمة قَائِمة بِذاتِهَا لَا تَختَلِف عن أَنظِمة الدَّوْلة أو أَنظِمة اَلجُيوش والْعسْكر ، لَكِن أَحزَاب هَذِه المرْحلة كان مَخَاضهَا سريعًا ، فِي حِين أنَّ الأحْزاب اَلتِي تَمَترسَت فِي الوطن مُنْذ عُقُود كان مَخَاضهَا صعْبًا ، وَفِي الخفَاء أحْيانًا يُسْتعَان بِقابِلة سِرِّية لِولادة عَسِيرَة أَكثَر مِن وِلادة قَيصرِية .
أَحزَاب اليوْم تَحْتاج لِغرْفة خَدَاج لِلنُّضْج والنُّموِّ واسْتفْتاح البصيرة ، حَتَّى يَجرِي اَلدَّم سليمًا فِي أرْوقتهَا وتنْمو سُلوكِيًّا وإدْراكيًّا ، مَا يعْنيه الحزْب وطباعات أن تَقبَل أن تَكُون عُضْوًا فِي أَروِقته .
إِذَا كَانَت الزَّعامات والنُّخب الحزْبيَّة تَستقِيل على صُورَة مَا نَرَاه فماذَا نَتَوقَّع مِن الأعْضاء وَهُم القواعد اَلتِي تُقَام بِهم وتتشَكَّل نَوَاة وروافد الأحْزاب ، وَهُم ضمانَات اِسْتمْرارهَا ، وماذَا نَقُول لَمِن يَنتَظِر ويراقب مَا سيحْدث فِي المشْهد الأوَّل مِن فَتْح السِّتارة على اِنْطلاقة الأحْزاب نَحْو الانْتخابات ، وأيْن ستحلِّق قناعَات الجماهير .
صَعْب أن أَتخَيل شخْصًا يَستقِيل مِن حِزْب لِيدْخل بَوَّابة حِزْب آخر ، لَكنِّي أَفهَم أنَّ مُغَادرَة بَوَّابة الحزْب تَعنِي عدم قَناعَة بِالْحزْبيَّة بِالْمطْلق ، وَأنَّه سيعْتَكف فِي مَكتَبِه اَلْخاص أو مَشرُوعه التِّجاريِّ أو مَزْرَعته أو حَدِيقَة مَنزلِه ، هَكذَا أَفهَم أن يَتَخلَّى حِزْب عن مَوقعِه ! وَإذَا كان خِلَاف ذَلِك فأعْتَقد جازمًا أنَّ صَفَقات تَجرِي فِي أَروِقة الأحْزاب غَيْر مُعلَن عن أسْرارهَا أو خفاياهَا أو مَاهِية نواياهَا ، أو أنَّ هُنَاك أسْبابًا أُخرَى لَا رَغبَة لَه البوْح بِهَا .
أنَا لَا أَفهَم عِبارة أنَّ الحزْب يَحمِل برْنامجًا مُخْتلِفًا قابلا لِلتَّطْبيق !! فَإذَا كان كَذلِك فَمتَى مَوعِد التَّطْبيق؟ أم أنَّ التَّطْبيق سَيكُون على الأرْصفة والْممرَّات المخْفيَّة بَعْد أن تُعبِّد الجماهير اَلطرِيق لِيَصل المسْؤول فِي الحزْب إِلى اَلمنْصِب المنْشود والْموْعود فِي الحكومة البرْلمانيَّة الحزْبيَّة اَلتِي لَا أَعتَقد أنَّ الأرْض خِصْبَة ومهيِّئة لِمَا لَمسْنَاه أخيرًا فِي ظِلِّ ظُرُوف اِنسِحاب الرُّموز وبعْض النُّخب والشَّخْصيَّات مِن مواقعهم فِي الأحْزاب .
البعْض مِنْهم يَقُول إِنَّ الحزْب يَستَمِد قُوتَه مِن رُؤيَة التَّحْديث السِّياسيِّ وَرأَى اَلمَلِك بِأن يَكُون الإصْلاح الاقْتصاديُّ رافدًا لِلْإصْلاح السِّياسيِّ وأنَّ الحزْب قَادِر على تَدرِيب الشَّبَاب وتأْهيلهم وخلْق فُرَص عمل فِي حِين أَنَّه عَجزَت حُكومَات الدَّوْلة المتعاقبة عن تَحقِيق هذَا الطُّموح ، بل وَأَخفقَت ، ويقولون أيْضًا إِنَّهم قادرون على جَذْب الاسْتثْمارات لِلْمناطق كَافَّة فِي الممْلكة ، وبصراحة هذَا كَلَام لَا يَدخُل اَلمُخ ، وَإِن صدَّقْته فَأنَا أَكُون فِعْلا مُغَفلا .
وَمُنذ متى كَانَت الأحْزاب تُكْمِل بَعضُها بعْضًا ، ونحْن نَعلَم أنَّ لِكلِّ حِزْب أيْدلوجْيَا وفكر واتِّجَاه مُخْتَلِف ، قد يَلتَقِي مع غَيرِه فِي نِقَاط بَديهِية ، وَكُل حِزْب يَحكُمه نِظَام دَاخلِي خاصٌّ شِعاره المنافسة ، وأن يُكوِّن الأقْوى فِي السَّاحة السِّياسيَّة ، فأيُّ وَهْم يُبَاع على عُقُول الأرْدنِّيِّين وَهُم مِن أَغنَى الشُّعوب ثَقافَة وتعْليمًا ودرجَات عِلْميَّة .
عِنْدمَا يُقدِّم أيَّ حِزْب وُعُود يَجِب أن تَتَوافَق مع مُستَوَى فِكْر القواعد الجماهيريَّة لَا أن تَقفِز عليْه وَتطلِق العنَان لِلْآمَال المسْتقْبليَّة وَكَأنهَا فِي قَبضَة اَليَد ، أو أنَّ إِنْجازهَا لَيْس صعْبًا وَيتِم بِلمْسة سِحْريَّة على فَانُوس عَلَاء الدِّين لِتحْقِيق الأمْنيات اَلتِي أَظُنهَا رَغْم المارد لَن تَتَحقَّق . حَتَّى أنَّ الوضْع لَيْس مرنًا أو مُتوافقًا فِي أجْوائه اَلتِي تَتَشكَّل فِيه الأحْزاب ، فالْمواطن لَا يَزَال يَشرَب ماء طَاسَة الرَّغْبة بَعْد تَطبِيق قَانُون الجرائم الإلكْترونيَّة اَلتِي لَا قِبل لَه بِالْعقوبات المغلَّظة فِيه ، مَا يَعنِي حَتَّى وَإِن كُنْت أبًا الهوْل كحزْب فَإنَّك سَتجرِي مع رِيَاح الحكومات وَهبُوب نَسيمِها وتصاعد دُخَّانِهَا وليْس لَك إِلَّا أنَّ تُومَا كَبَقيَّة الأحْزاب وطأْطأ إِذْعانًا وَقبُولا بِالْأَمْر الواقع ، لِأَنه لَا قُدرَة لَهَا على التَّغْيير مَا دام رَأْي الحكومات مُحَصنا بِقانون الجرائم الإلكْترونيَّة ، وَهُو الأقْوى والنَّافذ ولَا مَجَال لِلْمعارضة أو النَّقْد .
أَنْت كحزْب لَيْس لَك دَوْر فِي خَفْض المدْيونيَّة ولَا تَستطِيع التَّدَخُّل إِذَا مَا رأيْتُ فسادًا فِي الطَّبَقة السِّياسيَّة اَلتِي تُدير إِدارَات الدَّوْلة . أَنْت كَحزبِي لَن تَقدِر على اَلوُقوف فِي وَجْه النَّفْعيِّين المقوننين أَصحَاب المصالح والْمحْسوبيَّات والْواسطة اَلتِي طفتْ مُؤَخرا فِي أَروِقة الدَّوْلة ومؤسَّساتهَا اَلتِي تَرفَع مِن لَا كَفاءَة لَه على حِسَاب آخر مُؤهَّل ولديْه كَفاءَة وَخِبرَة وَيرَى فِي الوظيفة أَمانَة يَجِب الحفَاظ على قداستهَا كمَا كُنَّا نَجدُها قَبْل رُبْع قَرْن مِن الآن .
نَتَمنَّى على الأحْزاب ورموزهَا أنَّ لَا يبيعون وهْمًا لِلْمواطنين مِن الشَّبَاب وغيْر الشَّبَاب ولَا تقولون إِنَّنا عَزمُنا . . . وأنَّنَا قادرون على . . . وَإِننَا سنعْمل على . . . وَإِننَا سَنمضِي إِلى . . . وَإِننَا نَستَمِد قُوَّتنَا مِن… وَإِننَا نَصبُو لِإنْجَاز . . . كذَا وَكذَا . . . نَعِم أَفضَل الواقع تَرتِيب البيْتِ الدَّاخليِّ.
أنَا أَفهَم أنَّ الحزْب الحقيقيَّ هُو اَلذِي يَستَمِد قُوتَه مِن ذَاتِه ، بِمعْنًى مِن رُموزه وأعْضائه ، وَأنَّه لَا يَنتَظِر دعْمًا ماليًّا مِن أحد ، أو مَعُونَة مِن جِهة مَا ، أو تمْويلا فِي الظِّلِّ ، حِينهَا أَدرَك أنَّ قراراته مِن أَعمِدته وأرْوقته ، ولم تَتَسلَّق إِلَيه مِن خَارِج أَسوَار الحزْب لِلدَّاخل .
هل أَفهَم أنَّ الأحْزاب يُمْكِن أن تَستمْلِك أَرَاض قَاحِلة وَفِي أَطرَاف اَلمُدن والْقرى ، وتعْمل على اِسْتصْلاحهَا ، أم أنَّ فِي جَعبتِها أنَّ تبنِّي مُنْشَآِت ومشاريع صِناعِيَّة تُوظِّف فِيهَا جَيْش مِن الشَّبَاب يَنتَظِر فُرصَة لِيشْعر أَنَّه يَخدِم نَفسَه وَيخدِم الوطن .
وأتساءل هل الأحْزاب ستفْتح مَشارِيع إِنْتاجيَّة ومصانع وشركَات لِتشْغِيل الشَّبَاب وَتعلِن الحرْب على الفقْر والْبطالة ؟ ! أم أنَّ أَفكَار برامجهَا الاقْتصاديَّة هِي مُجرَّد ظِلَال أو وَهْم وَكَلام نَظرِي فقط لِمجرَّد التَّنْظير أَمَام الجماهير ومداخل وبوَّابات مِن باب الإقْناع لِلشَّارع .
هل الأحْزاب ستقلِّص عدد الهيْئات والْمؤسَّسات المسْتقلَّة اَلتِي أَرهَقت مِيزانيَّات الدَّوْلة عَبْر عُقُود بنفقاتهَا وِتنْفيعاتهَا وتعْييناتهَا لِلطَّبَقة الأرسْتقْراطيَّة المحْضيَّة بِكلِّ مَنْفَعة مِن الوطن ، وَبمَا لَا يَخضَع لِأبْسط حُقُوق المساواة والْعدالة اَلتِي نصَّ عليْهَا الدُّسْتور والْقوانين النَّاظمة لِلْحيَاة الأرْدنِّيَّة ، ولَا نَجِد فِيهَا إِلَّا اِسْم فُلَان الفلانيِّ اِبْن فُلَان اِبْن عَلَّان العْلاني .
أخيرًا أَقُول لِلْأحْزاب عَامَّة لَا تجْعلون المواطن مَطيَّة لِرغْباتكم فِي السُّلْطة ، ومصالحكم اَلتِي راهنْتم على اَلوُصول إِليْهَا مِن خِلَال بوَّاباتهَا لِلْولوج إِلى عَالِم السِّياسة ، وعنْد اَلوُصول! لَا نَعرِف إن كُنا رَبِحنَا رِهاننَا عليْكم أم أَننَا خَسِرنَا الرِّهَان ، ويبْقى السُّؤَال بِرَسم الإجابة تُجيب عليْه المرْحلة القادمة مِن عُمْر الدَّوْلة الأرْدنِّيَّة .
حمى اَللَّه اَلأُردن ،