تعديل يأتي..تعديل يمضي الى الخلف سِر!

محمد قاسم عابورة –

 

مع التعديل السابع لحكومة الخصاونة في قرابة الثلاثة أعوام ،  ودون ان يتلمس المواطن مبررات موضوعية ، أو وقفة تقيمية ومراجعة شاملة لأداء الحكومة مجتمعة أو انجازات الوزراء  ، وخاصة اننا لم نشاهد ضغطا شعبيا  ، أو استجابة لمطالبات حثيثة من المواطنين بالتعديل  الوزاري ، أو أنه جاء بعد سلسلة صولات وجولات من مذكرات حجب الثقة  لبعض النواب ولو من باب رفع العتب أو تسجيل مواقف ، والغريب في الأمر ان المواطن يقابل أي تعديل وزاري          أو تغيير وزاري بعدم الأكتراث او ألإهتمام  ، بعد أن أصبح التعديل حدثا روتينيا يمر مرور الكرام ، أن التعديل السابع في قرابة الثلاث سنوات من عمر حكومة الخصاونة ،  أي بمعدل تعديلين وثلث التعديل كل عام ، يفتح لنا مدخلا واسعا للتساؤل  لماذا هذا التعديل ، و يحق للجميع وبالفم الملآن ان يتساءل ماذا يعني هذا التعديل ، وما الفائدة ، هل المشكلة بتغير وجوه الوزراء ، هل تحل المشاكل بتغيير الأسماء ، هل .. وهل وكيف ولماذا ، ومتى وإلى أين ؟؟؟

وللاجابة على كل أدوات الإستفهام الموجودة في لغة الضاد نقول بأنه ومنذ بداية الألفية الثالثة فقط ودخولنا في القرن الواحد والعشرين ، أي خلال أكثر من عقدين بثلاث سنين ، عانى المواطن الأردني وأُثقل كاهله  عدد الوزارات والوزراء ، حيث جرى تشكيل  ثمان عشرة وزارة  ( 18 وزارة ) ، تم تشكيلها من اثني عشر رئيسا  ( 12 رئيسا ) ، والذي لا يعلق في ذهن المواطن اي اسم من هذه الأسماء الاّ اسما أو إسمين في أحسن الحالات ، وتم إجراء حوالي سبعة  وثلاثون تعديلا أو أكثر بقليل ، ولن نستطيع بطبيعة الحال احصاء العدد الفلكي  للوزراء الذين تناوبوا على الوزارات ،  وهذه أرقام فلكية إذا ما اقترنت بالفترة الزمنية ، وبحسبة بسيطة نرى انه بمعدل رئيس وزراء جديد  كل سنتين ، أو بمعدل تشكيل وزارة كل خمسة عشر شهراً ، وبمعدل تعديلين على الوزارات كل عام ، واطلب السماح لي مقدما من القارئ العزيز إذا تم زيادة وزارة هنا  أو نسيت تعديلا هناك ، فمهما كان هامش الخطأ في ذلك كبيرا لن يؤثر على اي نتائج او قراءات .

إذا المسألة والعقدة والحل ليس بالتعديل ولا بالتغيير ولا بالتشكيل ، المسألة بسيطة وتكمن في   الإجابة على سؤال بسيط ، ببساطة ماذا نريد ؟؟؟  هل نريد أن نبقى ندور حول مركز دوامة من   الأزمات  الإقتصادية وكل ما يتبعها من إفرازات وتداعيات ثقافية واجتماعية تؤثر سلبا على بنية الدولة واستقلالها وأمنها ، حيث انه ومنذ ما يزيد عن اربع عقود أمعنت الحكومات المتعاقبة وعن سابق قصد وإدراك في الإنجرار والوقوع في مصيدة وصفات صندوق النقد الدولي ، والذي اغرق الإقتصاد الأردني في مستنقع من التشوهات والإختلالات الإقتصادية والإجتماعية ، حيث انه وفي كل سنة تتبنى الحكومة برنامجا أو أكثر لما يسمى بالتصحيح الإقتصادي ، وهو ببساطة استجابة غير مشروطة لوصفات صندوق النقد الدولي التدميرية لأي ملامح لإقتصاد وطني إنتاجي .

ان برامج الخصخصة وبيع مقدرات الوطن الإنتاجية ، وبرامج التصحيح الإقتصادي ببساطة هي برامج إفقار المواطن وتدمير الإقتصاد الوطني ، هي عبارة عن تسهيل دخول البضائع الأجنبية وتحرير التجارة ورفع الحواجز الجمركية  ، يرافق ذلك زيادة الضرائب ورفع الدعم عن قوت المواطن وتقليص القطاع العام وبيع حصص الدولة في المشاريع الإنتاجية والخدمية وخصخصتها ، انها بإختصار برامج تخلى الدولة عن دورها ، وإنتهاج برامح إفقار المواطن .

ان اتباع الحكومات المتعاقبة لوصفات صندوق النقد الدولي  ، حوّل الإقتصاد الإردني الى إقتصاد ريعي خدمي طفيلي يرسخ التبعية الإقتصادية وما يرافقها من التخلي عن الإستقلالية الوطنية ، حيث تتحول العلاقة مع صندوق النقد الدولي الى اتفاقيات ضرورة  وعقود الإذعان ، مدعومة بجيش من المنظرين والخبراء الإقتصاديين الذين يتبارون في تجميل  هذه البرامج والإتفاقيات واضعين المواطن  وهما وتزويرا بين ( نار ) الإفلاس والإنهيار الإقتصادي للبلد أو الرضوخ الى ( جنة ) برامج التصحيح الإقتصادي مع صندوق النقد الدولي ، والحصول على حسن السلوك ليتم تقديمه للدول المقرضة او المانحة .

اربعة عقود من حكومات  برامج الخصخصة وتنظيراتها ، اربعة عقود من حكومات برامج  اللبراليون الجدد وبرامجهم التصحيحية ، ماذا كانت النتيجة ؟؟  تم تدمير ملامح وبدايات اقتصاد وطني انتاجي ، تفاقمت حدة البطالة ومعدلاتها  ، تم القضاء على الطبقة الوسطى التي كانت تشكل رافعة تطوير وتنمية ، تم زيادة معدلات الفقر ، تم تشويه التعليم ومخرجاته ، تم اضعاف القطاع الزراعي وإنهاك المزارع ، أربع عقود من تراكم أخطاء وغياب برامج تنمية ، أربع عقود من موازنات انشائية تزينها بعض أرقام تقر دون أدني نقاش ومحاسبة ، مع ذلك  كل ما سبق ليس مهما الأن ، ما حصل قد حصل ، ولكن الأهم إلى أين نحن ذاهبون ؟؟

عودة الى ما تقدم  نستنتج بأن المسألة ليست بتشكيل الحكومات او بعدد الوزراء او تعديل مواقع الوزراء ، ولا تكمن بلعبة الكراسي وتداولها أو إعادة تدويرها ، بل كيف تتشكل الحكومات ، وما هو برنامج هذه الحكومات وتوجهها ، المهم ان يكون للحكومة خطة تنموية وتطويرية في كل نواحي الحياة ، ان يكون جداول زمنية لتطبيق الخطط ، ان يكون هنالك آليات محاسبة ورقابة حقيقية  ، وقد يدعي البعض ان كل حكومة تتشكل في الأردن تقدم برنامج ، وهذا بالمطلق غير صحيح ، ان جل ما تقدمه الحكومات هو عبارة عن خطاب انشائي البنيان يتضمن بنودا عامة لا ترتقي لمستوى البرامج ، تفتقد الى آليات التطبيق والمحاسبة والمدد الزمنية ، الحكومات في الأردن وبدون تحامل وبموضوعية تقدم خطابا انشائيا بليغا يتضمن وعودا تجميلية معسولة بات المواطن  لا يستسيغ تذوقها .