المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت
بين ليلة وضحاها وبدون سابق إنذار، أنهى مستشفى خاص بعمّان خدمات جميع موظفيه البالغ عددهم 180 موظفا وموظفة دفعة واحدة، بسبب أزمة مالية يمر بها المستشفى.
ووفق كتب إنهاء الخدمات، التي حصل “المرصد العمالي” على نسخة من أحدها، فإن مالك المستشفى استند إلى المادة (28) من قانون العمل التي تُجيز لصاحب العمل فصل العامل بدون إشعار حال ارتكب واحدة من عدة مخالفات أوردتها المادة.
وطلب مالك المستشفى، في كتب الفصل، من الموظفين مراجعة دائرة الموارد البشرية لإجراء التسوية لمستحقاتهم.
الموظفون يروون الحكاية
تَواصل “المرصد العمالي” مع بعض الموظفين المفصولين ومن بينهم مدير الموارد البشرية، لمعرفة تفاصيل القضية.
تقول إحدى المفصولات، التي كانت تعمل ممرضة في المستشفى، إن إنهاء خدماتهم بهذه الطريقة يُعتبر تعسفيا، لأن لا أحد منهم ارتكب أياًّ من المخالفات التي نصّت عليها المادة (28) من قانون العمل كما يدّعي مدير المستشفى.
الممرضة، التي طلبت عدم نشر اسمها، بينت خلال حديثها إلى “المرصد العمالي”، أن مدير المستشفى سلّم كتب الفصل إلى جميع الموظفين والموظفات بين مقدمي خدمات صحية وغير صحية دفعة واحدة السبت الماضي، ما سبّب لهم صدمة كبيرة.
وتشير إلى أن سبب فصلهم بهذه الطريقة هو عدم مقدرة إدارة المستشفى على صرف رواتبهم الشهرية المتأخرة، بسبب الأزمة المالية التي يمر بها المستشفى.
إذ أن جميع الموظفين في المستشفى لم يتسلموا رواتبهم منذ 5 شهور، ما دفع عددا كبيرا منهم إلى تقديم شكاوى لوزارة العمل.
وتؤكد الموظفة أنهم راجعوا دائرة الموارد البشرية لتسوية مستحقاتهم كما طُلب منهم، إلا أنهم لم يحصلوا على أي شيء، بسبب عدم توافر السيولة المالية.
من جهته، يقول مدير الموارد البشرية في المستشفى إن سبب الأزمة المالية هو تأجير المستشفى لوزارة الصحة أثناء جائحة كورونا لمدة عام ونصف العام، لغايات تخصيصه لاستقبال المرضى المصابين بالفيروس فقط.
ويبين لـ”المرصد” أن مدة التأجير كانت طويلة، ما دفع الأطباء الاستشاريين في عيادات المستشفى إلى المغادرة والذهاب إلى مستشفيات أخرى، وبالتالي انخفضت أعداد المرضى المراجعين بشكل كبير، لأن المستشفى منع خلال الجائحة استقبال أي مريض (غير مصاب بكورونا) من الذين كان لديهم ملفات في المستشفى قبل الجائحة.
ويوضح أن الوضع المالي للمستشفى بعد انتهاء جائحة كورونا بدأ بالتدهور، وأصبح صرف رواتب الموظفين يتأخر إلى أن توقف بشكل كامل منذ حزيران الماضي، ما دفع عددا كبيرا من الموظفين إلى تقديم شكاوى لوزارة العمل.
وعلى أثر ذلك، وجّهت الوزارة إلى مدير المستشفى 5 مخالفات (غرامات مالية) لإجباره على دفع مستحقات الموظفين، لكن بدون جدوى، لعدم توافر السيولة لديه.
ويبين أن الوزارة اضطرت بعد ذلك إلى توجيه غرامة مالية لمدير المستشفى بقيمة 500 دينار عن كل موظف، نظرا لعدد الشكاوى الكبير التي وصلتها.
وبسبب هذه الضغوط من الوزارة، اضطر مدير المستشفى، وفق مدير الموارد البشرية، إلى إنهاء خدمات جميع الموظفين لكي لا يترتب عليه المزيد من الرواتب المتأخرة، واستند في كتب الفصل إلى المادة (28) من قانون العمل، لأنها المادة الوحيدة التي تُجيز لأصحاب العمل فصل العامل بدون إشعار.
وأكد أن مدير المستشفى تعهد بدفع مستحقات الموظفين كاملة فور تحسن الوضع المالي لديه، إذ يحاول حاليا بيع المستشفى فقط لتأمين مستحقات الموظفين.
ماذا يقول قانون العمل؟
يقول الخبير القانوني ومدير مركز بيت العمال حمادة أبو نجمة إنه في حال كانت أسباب إنهاء خدمات الموظفين تعود لظروف اقتصادية مر بها مدير المستشفى، فعليه أن يبلغ الوزير خطيا مُعزّزا بالأسباب المبررة لذلك قبل اتخاذ أي قرار بهذا الخصوص، وفقا للمادة (31) من قانون العمل.
وبناء على ذلك، يُشكل الوزير، وفق أبو نجمة، لجنة من أطراف الإنتاج الثلاثة لتقديم توصياتها بعد التحقق من سلامة إجراءات صاحب العمل، وبعد ذلك يُصدر الوزير قراره بشأن توصيات اللجنة.
ويؤكد أبو نجمة لـ”المرصد العمالي” أن العمال الذين أُنهيت خدماتهم يتمتعون، وفقا للمادة نفسها، بحق العودة إلى العمل خلال سنة من تاريخ تركهم العمل في حال عاد العمل في المؤسسة إلى طبيعته وأمكن استخدامهم لدى صاحب العمل.
أما في حال كانت أسباب إنهاء خدماتهم لا تعود لظروف اقتصادية، كما ورد في كتب إنهاء خدمات الموظفين، فيحق لهم إقامة دعوى قضائية في المحكمة على صاحب المستشفى.
ووفقا للمادة (25) من قانون العمل، إذا تبين للمحكمة المختصة في دعوى أقامها العامل خلال ستين يوما من تاريخ فصله أن الفصل كان تعسفيا ومخالفا لأحكام قانون العمل، جاز لها إصدار أمر إلى صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله الأصلي أو بدفع تعويض له يُعادل مقدار أجر نصف شهر عن كل سنة من سنوات خدمة العامل وبحد أدنى لا يقل عن أجر شهرين، إضافة إلى بدل الإشعار واستحقاقاته الأخرى.
إلا أن مدير الموارد البشرية في المستشفى يقول إن قانون العمل لا يحفظ حقوق العمال في مثل هذه الحالات، سوى فرض غرامات مالية على صاحب العمل.
ويرى أن هناك ضرورة لتعديل قانون العمل بحيث يضمن حفظ حقوق العمال في هذه الحالات، مشيرا إلى أن هناك بلدانا عربية تُلزم أصحاب المؤسسات الكبرى بتخصيص مبلغ معين يوضع بيد الحكومة، ولا يُستخدم إلا في حال الأزمات المالية ليُصرف منه رواتب الموظفين المتضررين.
بينما في حال تصفية المؤسسة أو إفلاس صاحب العمل، فإن على المُصفي أو وكيل التفليسة، وفقا للفقرة (ب) من المادة (51) من قانون العمل، أن يدفع للعامل فورا وبمجرد وضع يده على أموال صاحب العمل ما يُعادل أجر شهر واحد من المبالغ المستحقة له، وذلك قبل تسديد أي مصروفات أخرى بما في ذلك المصروفات القضائية ومصروفات التفليسة أو التصفية.
ويبين قانون الشركات الأردني لسنة 1997، في المادة (256) أنه عندما يتم حسم نفقات التصفية لأي شركة وتسديد ديونها، فإنه “يتوجب على الشركة بالأول تسديد المبالغ المستحقة للعاملين في الشركة”.
حقوق الموظفين التأمينية في الضمان
بعد التأكد من أن جميع موظفي المستشفى مشتركون بالضمان الاجتماعي، يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي إنه يُصرف بدل التعطل عن العمل للمؤمن عليه، وفقا لأحكام الفقرة (أ) من المادة (52) من قانون الضمان الاجتماعي، ثلاثة أشهر إذا كان عدد اشتراكاته بالضمان أقل من (180) اشتراكا، وستة أشهر إذا كان عدد اشتراكاته أكثر من (180) اشتراكا.
ويبين الصبيحي في تصريح إلى “المرصد العمالي” أن نسبة بدل التعطل عن العمل في الشهر الأول تبلغ 75 بالمئة من أجر المؤمن عليه الخاضع للضمان، و65 بالمئة في الشهر الثاني، و55 بالمئة في الشهر الثالث، و45 بالمئة لكل من الأشهر الرابع والخامس والسادس.
ويشير إلى أن الحد الأعلى لبدل التعطل عن العمل في جميع أشهر الاستحقاق للعام الجاري (591) دينارا شهريا، موضحا أن أحكام قانون الضمان الاجتماعي تنص على ربط سقف بدل التعطل عن العمل بالتضخم سنويا.
ويشترط لاستحقاق المؤمّن عليه بدل التعطل عن العمل أن لا يقل عدد اشتراكاته عن (36) اشتراكا قبل تاريخ استحقاقه لبدل التعطل وأن يكون له اشتراك واحد على الأقل في تأمين التعطل عن العمل، وأن لا يكون قد بلغ الـ60 عاما للذكر والـ50 عاما للأنثى.
ويحثّ الصبيحي الموظفين المفصولين (ممن لم يحظوا بفرصة عمل أخرى حتى الآن) على ضرورة التقديم على بدل التعطل، للحفاظ على استمرارية شمولهم بالضمان الاجتماعي.