المرصد العمّالي الأردني – رزان المومني
مطلع آب الماضي صرحت الأمينة العامة السابقة لوزارة التربية والتعليم الدكتورة نجوى قبيلات أن الوزارة ستغطي النقص الحاصل في أعداد المعلمين والمعلمات للعام الدراسي الحالي (بعد تعبئة الشواغر) والبالغ نحو ثمانية آلاف معلم ومعلمة من خلال تشغيلهم على حساب التعليم الإضافي.
هؤلاء المعلمون توظفهم الوزارة وفق إجراءات وشروط معينة، وليس بالتعيين عن طريق ديوان الخدمة المدنية كما سائر المعلمين المعينين على كادر الوزارة. ورغم أن المهام التي يؤديها هؤلاء المعلمون هي ذاتها في التعليم الحكومي، إلا أنهم لا يحصّلون أيّاً من الحقوق العمّالية التي يتمتع بها المعلمون الحكوميون.
إذ يعمل معلمو التعليم الإضافي بنظام المياومة، ما يحرمهم الاستقرار الوظيفي، لأنهم لا يُشملون بالضمان الاجتماعي ولا التأمين الصحي ولا غلاء المعيشة أو زيادات سنوية أو ترفيعات، ولا يحصلون على الإجازات المستحقة المضمنة في قانون العمل الأردني. وفي حال اضطروا للإجازة تُخصم من الأجر الذي تتأخر الحكومة بصرفه، وإذا وصلت الإجازة ثلاثة أيام تُصدِر إدارة المدرسة قرارا يفيد بـ”الانفكاك عن العمل”.
ومع هؤلاء الثمانية آلاف يصل عدد المعلمين على حساب التعليم الإضافي في الأردن إلى نحو 20 ألفا موزعين على فترتين صباحية ومسائية، وفقا لتصريحات سابقة لرئيس لجنة التعليم النيابية. فيما يبلغ عدد المعلمين في المدارس الحكومية أكثر من 137 ألف معلم ومعلمة وفقا لأرقام وزارة التربية والتعليم.
وفي حديثهم إلى “المرصد العمّالي الأردني”، يرى خبراء أن التعليم الإضافي يؤثر سلبا على مخرجات النظام التعليمي بأكمله؛ إذ أن حرمان هؤلاء من حقوقهم الوظيفية سيجعلهم يشعرون بانعدام الأمان الوظيفي والقلق الدائم، ما يؤثر سلبا على أدائهم. كما أن النظرة المادية من قبل الجهات المعنية لن تُحدث أي قفزة نوعية في مخرجات التعليم.
ويؤشر هؤلاء إلى إحدى أهم النقاط التأمينية لمعلمي التعليم الإضافي هي ضرورة شمول المعلمات بتأمين الأمومة، ما يتطلب تعديل قرار سابق لمجلس الوزراء يقضي باستثناء العاملين في القطاع العام من الشمول بتأميني الأمومة والتعطل عن العمل.
في حين يؤكد معلمون على حساب التعليم الإضافي في أحاديثهم إلى “المرصد العمّالي الأردني” أن عدم شعورهم بالأمان الوظيفي يؤثر على أدائهم التعليمي، وأن الإجازات التي يضطرون إليها، حتى وإن كانت بسبب حالة وفاة، تُخصم من الراتب الذي غالبا ما يحصلون عليه بعد 45 يوما من استحقاقه، وإذا تجاوزت الإجازة ثلاثة أيام تُقرر إدارة المدرسة انفكاكهم عن العمل، أي الاستغناء عن خدماتهم بدون إنذار.
بعد العمل لأعوام.. لا تشعر بالأمان
تعمل رزان السطري معلمة لمادة العلوم الحياتية في مدرسة حكومية بمحافظة عجلون، وتحصل على أجر لا يجاوز 240 ديناراً، وبعد عملها لمدة خمس سنوات في الإضافي أصبحت تشفق على نفسها، “أقوم بما تقوم به كل المعلمات المعينات رسميا، غير أن راتبي لا يكفيني أجور تنقلات وحضانة لأطفالي”.
وتقول السطري لـ”المرصد العمّالي الأردني” إنها تواجه تحديات كبيرة خلال عملها، من تدني الأجر وتأخُّر صرفه وعدم وجود أمان وظيفي؛ ففي أي وقت قد تأتي معلمة مثبّتة مكانها. ولا تحصل على إجازات مرضية، وفي اليوم الذي تغيب فيه عن العمل يُخصم من الراتب تسعة دنانير، ناهيك عدم حصولها على راتب العطلة بين الفصلين.
وهي تشعر بالإحباط، وعدم الاستقرار في عملها يؤثر سلبا على نفسيتها ويقلل من شغفها داخل الغرفة الصفية، فيما لا تحصل على تأمين صحي، واشتراكات الضمان الاجتماعي الإلزامي تُقتطع من الراتب الذي هو قليل بالأصل.
وتشير السطري إلى أن معلمات الإضافي يتم انفكاكهن عن العمل حال أخذن إجازة الأمومة؛ لأنهن لا يتمتعن بتلك الإجازة، وأي معلمة تزيد غياباتها على ثلاثة أيام يصدر قرار بانفكاكها حالا، إلا إذا كانت المديرة متساهلة فتتغاضى عن رفع كتاب للوزارة بتجاوز الغيابات.
لا أمان وظيفيا.. والإجازات تُخصم من الراتب
أما كرم المساعيد فيعمل منذ ثلاثة أشهر في مدرسة مخيم الزعتري للاجئين السوريين بمحافظة المفرق معلماً لمادة الفيزياء، يقول لـ”المرصد العمّالي الأردني” إنه لا يشعر بالأمان الوظيفي في عمله ولا يوجد موعد معين لصرف الراتب من قبل التربية الذي يُقدر بـ 326 دينارا، “الراتب دون تأخير لا يكفي خلال 30 يوما فكيف إذا تأخر 45 يوما، ولأسد احتياجاتي اضطر إلى الدين”.
ويوضح المساعيد أن الإجازات تُخصم من الراتب حتى إن كانت مستحقة، “الأسبوع الماضي غبت يوم الخميس عن المدرسة لظرف ويوم الأحد غبت أيضا، هذا الغياب كلفني 50 ديناراً من الراتب، المدير اعتبر الجمعة والسبت مع الإجازة وخصم على كل يوم 12.50 دينار”.
ويلفت إلى أنه وفق التعليمات يحق للمدير أن يُصدر قرار الانفكاك عن العمل، “نعامل معاملة أسوأ من المدارس الخاصة، على الأقل هم يحصلون على إجازات، ناهيك أن الضمان الاجتماعي لا يستمر بين الفصلين وفي هذه الحالة يعتبر الاشتراك غير منتظم، كأنني قدمت استقالتي وأعمل كل عام بمكان مختلف وأتوظف من جديد”.
ويشير إلى أن كثيرا من المعلمين يخشون التحدث عن معاناتهم خوفا على عملهم من جهة والالتزامات الأسرية التي تُطلب منهم من جهة أخرى، “بسبب انتهاء بطاقة الصراف الآلي لم أستلم الراتب منذ شهرين، ويرفض البنك تسليمي الراتب باستخدام الهوية الشخصية، سألت مديرية التربية وقالت إن البطاقات البنكية لم تجهز بعد”.
عمّال مياومة وحقوق منقوصة
من جانبه، يقول الناطق الإعلامي باسم مجلس نقابة المعلمين الأردنيين المنحل نور الدين نديم لـ”المرصد العمّالي الأردني” إن التعليم الإضافي يؤدي إلى خلل في العملية التعليمية لخلوّه من الاستقرار الوظيفي.
ويشرح نديم بالقول: “معلم الإضافي يعمل بنظام المياومة ويستطيع ترك العمل في أي لحظة، أو يمكن الاستغناء عنه لأبسط الأسباب، وهو في الوقت ذاته يُلزَم بمهام المعلم الحكومي المعتادة وغير ملزم بعقد والعقوبات ونظام الحوافز والتعزيز الموجودة في مؤسسة التربية والتعليم”.
ويشير إلى أن التعيين عن طريق ديوان الخدمة بجري على الدور والكفاءة ويتم بإجراء مقابلة وامتحانات واشتراط الحصول على دورات تدريبية، وفي نهاية المطاف نجد ضعفا في الأداء ومشكلة في المخرجات، “فكيف إذا كان القائمون على التعليم هم عمّال مياومة غير مؤهلين مسبقا؟”.
ويشدد نديم على أن “النظرة المادية للجهات المعنية لن تُحدث أي قفزة نوعية” في مخرجات التعليم، لأن همّهم ضبط النفقات، ما يؤثر سلبا على مخرجات العملية التعليمية. إذ أن “حقوق معلم الإضافي منقوصة ويتقاضى دون الحد الأدنى للأجور ولا يُعامَل معاملة المعلم العادي ولا يتمتع باستقرار وظيفي وأمن معيشي ولا حتى يتمتع بالحق في الترفيع وتطور الوظيفة وغير منتسب لنقابة المعلمين”.
لا إجازة أمومة لمعلمات الإضافي
بدوره، يقول خبير التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي إن أهم نقطة تأمينية لمعلمي التعليم الإضافي هي ضرورة شمول المعلمات بتأمين الأمومة من اشتراك الضمان الاجتماعي الإلزامي، “وهو ما يتطلب تعديل قرار سابق لمجلس الوزراء يقضي باستثناء العاملين والعاملات في القطاع العام من الشمول بتأمينَي الأمومة والتعطل عن العمل”.
ويوضح أن المعلمات يعملن من خلال وزارة التربية والتعليم، وعلى هذا فهن عاملات في قطاع عام حكومي؛ وبالتالي فهنّ حالياً غير مشمولات بتأمين الأمومة وفقاً لقانون الضمان، “لا ينطبق عليهن نظام الخدمة المدنية، وبالتالي يُحرَمن من إجازة الأمومة مدفوعة الأجر، كما يُحرمن من بدل إجازة الأمومة وفقاً لقانون الضمان كون التأمين لا يغطّيهن”.
ويأمل الصبيحي أن يجري تحسين شروط العمل لمعلمي ومعلمات الإضافي من أجور وإجازات وتأمين صحي، لما له من انعكاسات إيجابية على الضمان، بالإضافة إلى تعيينهم بشكل رسمي ودائم وهو ما قد لا يتسنى للوزارة، لأن الموضوع يعتمد على تمويل الدول المانحة من أجل تعليم اللاجئين السوريين. وأن تُشمل المعلمات بتأمين الأمومة بقانون الضمان أو أن يُشملن بنظام الخدمة المدنية.
ووفق تصريح سابق لوزير التربية والتعليم السابق وجيه عويس، يوضح أن هناك حاجة لتعيين 10 آلاف معلم ومعلمة، إلا أن ميزانية الوزارة لا تسمح بتعيين أكثر من 4 آلاف معلم ومعلمة، وأن التحديات الاقتصادية تفرض على الوزارة اللجوء إلى التعليم الإضافي لسد النقص في أعداد المعلمين والمعلمات، ويشير إلى أن هذا الحل ليس الأمثل.
بينما، يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم أحمد المساعفة في تصريح إلى “المرصد العمّالي الأردني”، إن التعليم الإضافي له مبرراته لدى الوزارة، ويتم تعيين ما بين 3 إلى 4 آلاف معلم ومعلمة سنويا، “الوزارة من أكثر الوزارات التي يتم فيها التعيين”.
وفي سياق متصل، بعض الصفوف في المدارس يزيد فيها عدد الطلبة إلى 60 طالبا أو طالبة بدلا من 30 طالب أو طالبة. ما يعني أن هناك نقصا في أعداد المعلمين يجري معالجته بزيادة أعداد الطلاب في الغرف الصفية بشكل غير مقبول لا تربويا ولا تعليميا ولا صحيا حتى.
وحل هذه المشكلة التي تؤثر سلبا على جودة ومخرجات التعليم، يكون باستحداث شواغر من الضروري ملؤها، التي بدورها تخفف إلى حد ما من مشكلة البطالة وتحل مشكلة الاكتظاظ.
وعلى ضوء ذلك، يقول نديم إنه لحل مشكلة النقص والاكتظاظ واستبدال التعليم الإضافي بالتعيين الرسمي، فإننا بحاجة إلى ما يُقارب 30 ألف معلم ومعلمة. فيما يعلق المساعفة بأن الاكتظاظ الطلابي ليس في كل الصفوف، وإنما في بعض الصفوف في المدارس الواقعة في القصبات.
ويوضح نديم أن الوزارة تتجه منذ ما يُقارب أحد عشر عاما إلى تقليص أعداد المعلمين، من خلال دمج المدارس، وزيادة الأعباء والأنصبة على المعلمين، وزيادة أعداد الطلاب في الغرف الصفية، وسارت الوزارة بخطوات ممنهجة بالاقتصاد في التعيين من جهة وإحالات على التقاعد المبكر من جهة أخرى؛ ما أفقد الميدان خبراته، وأحدث فجوة، وزاد من الأعباء على المعلمين الجدد.