جورج حبش مناضل وسياسي فلسطيني، لقّب بـ”الحكيم”، وهو مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. يعرف بأنه أحد أعمدة المقاومة الفلسطينية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، توفي بالأردن ودفن فيه عام 2008.
حاول جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) اغتياله في كثير من المناسبات، ووصل به الأمر إلى محاولة اختطاف طائرتين ظنا منه أن حبش على متنهما، ولكن جميع محاولات القبض عليه وتصفيته باءت بالفشل.
المولد والنشأة
ولد جورج حبش في الثاني من أغسطس/آب 1926 في مدينة اللد غرب القدس لعائلة ميسورة من الروم الأرثوذكس امتهنت الأعمال الزراعية والتجارية، وهاجر من فلسطين في حرب 1948.
والده نقولا حبش كان تاجرا معروفا، ووالدته تدعى تحفة، أنجبا 7 أبناء، وهم: جورج ورزق وفوتين وإيلين وأنجيل ونجاح وسلوى.
تزوّج جورج حبش من ابنة عمّه هيلدا حبش، وأنجبا ابنتين هما ميساء ولمى.
الدراسة والتكوين
تابع جورج حبش دراسة المرحلة الابتدائية في مدينة اللد ومنها انتقل إلى مدينة يافا، حيث واصل دراسة المرحلة الثانوية في “المدرسة الوطنية الأرثوذكسية”، ثم المركز الثقافي الفرنسيسكي في القدس، الذي تخرج منه بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة.
في 1944 التحق حبش بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث درس الطب وتخرج منها عام 1951 متخصصا في طب الأطفال.
التجربة السياسية
خلال فترة دراسته بالجامعة الأميركية في بيروت، بدأت اهتمامات حبش بالشأن السياسي تتنامى، خاصة مع تسارع الأحداث الفلسطينية وصدور قرار هيئة الأمم المتحدة 181 في نوفمبر/تشرين الأول 1947 بتقسيم فلسطين.
في 1949 انتخب أمينا عاما لجمعية العروة الوثقى، التي كانت تجمع طلابا من جميع الأقطار العربية يجمعهم حلم القومية العربية.
خلال نكبة 1948 وبعد سقوط المواقع الفلسطينية في أيدي القوات الإسرائيلية المحتلة، قرر جورج حبش في يونيو/حزيران من السنة نفسها قطع دراسته الطبية والتطوع بمستوصف في مسقط رأسه اللد، وعمل مساعدا للطبيب المشرف على علاج الجرحى والمرضى.
عاد إلى بيروت في أكتوبر/تشرين الأول 1948 لإنهاء دراسته في الطب، ثم توجه عام 1952 إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث بدأ في تنظيم الاحتجاجات ضد الأنظمة العربية المساندة للدول الغربية الاستعمارية، مما جعل السلطات الأمنية الأردنية تلاحقه، فدفعه ذلك للانتقال إلى دمشق سنة 1954.
في العام 1956، وفي مؤتمر انعقد في العاصمة الأردنية عمّان، أعلن جورج حبش عن تأسيس حركة القوميين العرب، التي أعلنت عن تبنيها شعار “وحدة.. تحرير.. ثأر” شعارا أساسيا لتحرير فلسطين.
بعد سقوط النظام الملكي في مصر على يد الضباط الأحرار وتبني جمال عبد الناصر الفكر الوحدوي، وقع تجانس وانسجام بين حبش وعبد الناصر، بلغ ذروته أثناء الوحدة المصرية السورية بين عامي 1958 و1961، لكن بعد الانفصال تعرّض حبش للمطاردة ومحاولات الاغتيال من المصريين والسوريين، وأيضا من البعثيين القوميين الذين استلموا السلطة في سوريا في مارس/آذار 1963، مما اضطره إلى الانتقال سرا إلى بيروت سنة 1964 لمتابعة نضاله.
بعد نكبة 1948 وانفصال 1963، سعى جورج حبش إلى مراجعة أيديولوجية للحركة التي يقودها، وكان الاتجاه نحو تبني الفكر الماركسي اللينيني، وفي ديسمبر/كانون الأول 1967 أعلن عن تأسيس تنظيم جديد باسم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
حلَّت الجبهة محل “حركة القوميين العرب”، وأعلنت أن هدفها تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح. وفي سنة 1968 اعتقلت السلطات السورية حبش بعد أن وجّهت له تهمة تأسيس خلايا مسلّحة، وزجّت به في سجن الشيخ حسن لمدّة 10 شهور.
انتقل حبش في 1969 سرا إلى الأردن للالتحاق بالمقاومة التي أخذت تتمركز في قواعد فدائية بعد هزيمة الجيوش النظامية سنة 1967، وشهدت السنوات التالية تصاعد العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الداخل.
كما تبنّت “الجبهة الشعبية” عمليات اختطاف الطائرات الإسرائيلية والتابعة للدول الغربية -دون المساس بالركّاب- أسلوبا للفت أنظار العالم لما حدث في نكبتي 1948 و1967 وما بينهما، ولوضع معاناة الشعب الفلسطيني على جدول أعمال العواصم الغربية المؤيدة لإسرائيل والمحافل الدولية.
تصاعد وتيرة العمليات الفدائية وردود الفعل الإسرائيلية العنيفة دفع بقوات الأمن والجيش الأردنيين إلى المواجهة المسلحة مع بعض الفصائل الفلسطينية على أراضيها حتى أواخر سنة 1971، مما أدى إلى خروج المقاتلين الفلسطينيين وقياداتهم إلى لبنان.
تعرّض حبش عام 1972 لنوبة قلبية كادت تودي بحياته، وتبعها في 1980 نزيف دماغي حاد تغلّب عليه بصلابة إرادته، وتخلل هذه الأعوام اغتيال المخابرات الإسرائيلية الناطق الرسمي باسم “الجبهة الشعبية” غسان كنفاني عام 1972، واغتيال رفيقه الدكتور وديع حداد عن طريق التسميم الكيميائي في 1978، وكان لهذين الحدثين وقع الصاعقة على “الحكيم”.
في 1972 أعلنت “الجبهة الشعبية” عن تخليها عن نهج خطف الطائرات لتركّز على لعبة التحالفات والتوازنات بين القوى السياسية اللبنانية، التي انقسمت إلى فئتين كبيرتين، إحداهما تؤيد العمل الفدائي ضد إسرائيل، والثانية تعارضه.
ومع توقيع مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، والذي تلاه اجتياح لبنان عام 1982 وحصار بيروت، اضطرّت الفصائل والقيادات الفلسطينية إلى الخروج من لبنان لتستقر قيادة الثورة الفلسطينية المتمثلة في ياسر عرفات في تونس، لكن جورج حبش آثر عدم اللحاق بها واتجه إلى سوريا.
سنة 1992 تدهورت حالته الصحية، فتوجه حبش إلى فرنسا بعد موافقة حكومتها، لكن زيارته العلاجية تحوّلت إلى قضية سياسية بعد أن احتشد الآلاف من مؤيدي إسرائيل في ساحة المستشفى مطالبين باعتقاله، وتحت ضغط اللوبي الصهيوني مالت السلطات الفرنسية إلى احتجازه بتهمة الإرهاب لولا تدخل بعض الدول العربية، وخاصة الجزائر، التي أرسلت طائرة رئاسية لنقله إلى الخارج.
انتقل حبش من عمان إلى دمشق، التي لبث فيها إلى أن استقال من أمانة سر الجبهة الشعبية عام 2000.
الوظائف والمسؤوليات
في 1941 عاد حبش إلى يافا حيث عمل مدرسا لمدة سنتين ولم يكن قد تجاوز سن 16 عاما.
عمل طبيبا للأطفال في العاصمة الأردنية عمّان والمخيمات الفلسطينية حتى عام 1957.
في 1951 انضم إلى الجامعة الأميركية ببيروت في رتبة مساعد باحث في علم الأنسجة.
المؤلفات
القيادة المشتركة ضمانة وحدة منظمة التحرير وخطها الوطني (1983).
أزمة الثورة الفلسطينية.. الجذور والحلول (1985).
نحو فهم أعمق وأدق للكيان الصهيوني (1988).
استحقاقات الراهن والأفق القادم (1993).
التجربة النضالية الفلسطينية (حوار شامل مع جورج حبش أجراه محمود سويد) (1998).
من داخل إسرائيل (2002).
الثوريون لا يموتون أبدا (2009)، وهو حوار مع الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو.
الوفاة
دخل جورج حبش المستشفى في العاصمة الأردنية في يناير/كانون الثاني 2008 بعد تردي وضعه الصحي، وفي 26 من الشهر نفسه أصيب بأزمة قلبية أدت إلى وفاته، ليواريه الثرى نحو ألفي مشيع في مقبرة سحاب بعمّان.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية