نِيًات التغيير والإصلاح تبدأ أولًا بالشكل، ثم تنتقل إلى الأشخاص، أما أن نبقى أسرى شخصيات سياسية مجرَّب بعضها من السبعينيات، وقد تبوؤا مناصب ومواقع عديدة، وشخصيات تلوك أفكار عفى عليها الزمن، بينهم وبين الحداثة 100 سنة ضوئية، فهذا لا يمنح الحالمين بالتغيير والإصلاح ثقة بأن مستقبلًا جديدًا، قد يعيشه أبناؤنا وأحفادنا بحيث نقنعهم أن المستقبل هنا وليس طريق المطار.
لم يعد الشعب قادرا على هضم سياسات معاكسة لمتطلبات الإصلاح، ورموز تسعى بكل جهدها لإدارة دفة البلاد إلى الوراء، في الوقت الذي يقر فيه الجميع بضرورات التغيير، وتقديم الاستحقاقات المعيشية، والديمقراطية المؤجلة للشعب وفئاته الفقيرة والمتوسطة.
الخطاب الإصلاحي حتى يجد طريقه للتطبيق لا بد من ترجمته إلى برنامج وخطط عمل ملموسة، وإدارة تنفيذية كفؤة، تمد يدها للاحتياجات الشعبية، وللخبرات الهائلة المتوفرة في أوساط المجتمع، للاستعانة بقدراتها على حل وفكفكة الاستعصاءات، تحديدا، المعيشية، والاقتصادية منها.
هذا الحديث يفتح على ضرورة الخروج على العقلية النمطية السائدة في تشكيل الحكومات وانتقاء المسؤولين عن المحاور الرئيسية في عمل الدولة وإدارة شؤون المجتمع، بالاقتراب من نبض الشعب وروحه الوثابة الطامحة إلى التغيير، فالمسألة هنا لا تتعلق بهذا الشخص أو ذاك، بقدر ما يجب أن يتجه التفكير الرسمي نحو الكفاءة والقدرة على إدارة هذا المحور أو ذاك، من دون تجاهل التجارب المريرة التي مرت بها الحكومات غير الفعالة، وغير القادرة على تحمل مسؤوليات وطنية كبرى.
لقد فقد الأردنيون حماسهم المعهود للتغيير الحكومي، مع أنه كان الشغل الشاغل للصالونات السياسية. واختفى بشكل لافت الحماس للتعديل الوزاري، لان التجارب في السنوات الأخيرة مُحبطة، وبتنا نترحم على كل حكومة ترحل لأن التي تأتي بعدها تزيدنا إحباطا.
الفحص الحقيقي لإرادة الإصلاح يكمن في مدى تحقيق مطالب الشارع في الإصلاح، وهو الحَكَم الفعلي على التغيير الذي يؤمل له أن يحدث في البلاد. لكن حتى الآن لا تزال الخطوة الفعلية الأولى في بنيان الإصلاح مرتبكة، وليس هناك سوى شعارات عامة لم تترجم فعليا على الأرض.
صحيح أن شعار التغيير والإصلاح عام ومفتوح، لكن فحص هذا الشعار يرتبط أولا وأخيرا بالأشخاص الذين يرفعونه، وبقدرتهم على تحقيقه، وبسيرتهم العامة، ومدى قربهم فكريا وسياسيا من مفهوم التغيير والإصلاح، لذا علينا مغادرة ساحة الخوف والتردد، والإيمان بأن إصلاحا سياسيا شاملا متناسقا مع إصلاح اقتصادي حقيقي هما الأقرب للمحافظة على الاستقرار العام والوحدة الوطنية والأمن الوطني.
الإصلاح في الأردن لم يتوقف الحديث عنه منذ سنوات، إلا أن أية حكومة لم تجرؤ على بناء مدماك واحد في خط الإصلاح الحقيقي، وكل ما يحدث فقط تسيير أعمال، ووُضعنا في مركب الانتظار الذي لا نعرف في أي ميناء سيرسو بنا.
تقول الحكمة “المُجرَّب لا يُجرَّب”! وهي حكمة يوصف بها الأشخاص، فالجيدون لا يحتاجون إلى من يُلمِّع صورهم، لأنهم وضعوا موضع التجربة فنجحوا.. أما الفاشلون فإعادة التجربة معهم خسارة، ومن يريدها إما أن يكون ذا مصلحة أو أن عقله قد غاب عنه!.
الدايم الله….