الرنتاوي يكتب: حصان السلطة الهرم

1٬814
الشعب نيوز:-

 كتب عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية:

تُعطي إدارة بايدن مكانة “محورية” للسلطة الوطنية الفلسطينية ودورها الخاص، إن لجهة تثبيت التهدئة وتمرير المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة، أو لجهة البحث مستقبلاً في تجسيد “رؤية بايدن” حول حل الدولتين …

في هذا السياق، ثمة فيض من المواقف والتصريحات التي تظهر المدى الذي تعوّل فيه واشنطن (وجناح داخل حكومة بينيت)، على إمكانية دعم السلطة وتمكينها، لتسيير مهمة واشنطن، ومواجهة النفوذ المتنامي لحركة حماس، والذي بلغ ذروة غير مسبوقة، بعد المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية الأخيرة.

لكن الحاجة تشتد للبحث في قدرة السلطة على استعادة دورها وترميم شعبيتها ونفوذها، وإمكانية توليها هذه الملفات الثقيلة، في ظل استمرار الانقسام، وتآكل نفوذها في عموم الأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة، الذي ينظر إليه بوصفه “بوابة واشنطن” لمقاربة الفلسطيني، آنياً وفي المدى القريب.

ولقد أظهر أول وأهم استطلاع للرأي العام أجري بعد “انتفاضة القدس وسيفها”، أن أكثر من ثلاثة أرباع الفلسطينيين (77 بالمئة) يعتقدون بأن حماس انتصرت في المواجهة الأخيرة، وهي ذاتها النسبة التي قالت بأن أداء حماس في المواجهة الأخيرة، كان ممتازاً، مقابل 13 بالمئة قالوا كذلك عن أداء فتح، و11 بالمئة للسلطة، وفقط 8 بالمئة وصفوا أداء الرئيس بالممتاز.

ولهذا السبب بالذات، ارتفعت نسبة الفلسطينيين الذين يعتقدون بأن السلطة باتت عبئاً عليهم إلى 56 بالمئة، ونسبة مقاربة (53 بالمئة) رأت أن حماس هي الأجدر بتمثيل الشعب الفلسطيني، مقابل 14 بالمئة فقط لحركة فتح برئاسة عباس.

وحتى بعد أن كثفت السلطة وأطراف عربية حملتها لـ “شيطنة” حماس ودوافعها للدخول على خط انتفاضة القدس من بوابة “الصواريخ”، لم تنجح الحملة في تحقيق مراميها، ذلك أن 72 بالمئة من الفلسطينيين رأوا أن حماس انتصرت للقدس والأقصى، مقابل 9 بالمئة فقط، قالوا إنها عبرت عن رفضها تأجيل الانتخابات ومحاولة منها لإضعاف السلطة، فيما 17 بالمئة منهم، قالوا بالسببين معاً.

ليس هذا فحسب، فالاستطلاع أظهر، أن أية انتخابات رئاسية حرة ونزيهة تجري اليوم في فلسطين، لو جرت الانتخابات الرئاسية اليوم، فإن عباس سيحظى بتأييد 27 بالمئة فقط من الفلسطينيين نزولاً من 47 بالمئة قبل 3 أشهر، مقابل 59 بالمئة أعطوا إسماعيل هنية (46 بالمئة قبل ثلاثة أشهر)…

واللافت أن شعبية حماس في غزة تعاظمت مقابل تراجع شعبية فتح والسلطة والرئاسة، بخلاف ما كان يُعتقد، حيث بلغت نسبة التأييد لعباس في غزة اليوم 30 بالمائة (44 بالمئة قبل ثلاثة أشهر)، ولهنية اليوم 60 بالمئة مقارنة مع 56 بالمئة قبل ثلاثة أشهر…المؤشرات ذاتها، تحدث في الضفة: عباس 25 بالمئة هبوطاً من 52 بالمئة، وهنية 59 بالمئة صعوداً من 38 بالمئة.

القائد الأسير مروان البرغوثي، ما زال “فرس الرهان” لاستنقاذ فتح واستعادة شعبيتها، فهو وحده القادر اليوم على “هزيمة” هنية في انتخابات حرة ونزيهة (51 بالمئة مقابل 42 بالمئة)، وهو الأول في قائمة المرشحين المفضلين وبمسافة بعيدة عن بقية قادة فتح والسلطة…هذه حقيقة يتعين على إدارة بايدن أن تأخذها بنظر الاعتبار، إن هي قررت تعزيز مكانة السلطة، لمواجهة نفوذ حماس المتزايد، أو توطئة لحل الدولتين.

فصائلياً، لا يبدو أن للأرقام والنسب المئوية الخاصة بالانتخابات الرئاسية، دلائل مغايرة عن تلك المتعلقة بالانتخابات النيابية، فلو جرت الانتخابات اليوم بقوائم 2006 لفازت حماس بنسبة 41 بالمئة، وحصلت فتح على 30 بالمئة، وكافة الفصائل 12 بالمئة، مقابل 17 بالمئة لم يقرروا بعد…أما لو جرت الانتخابات بالقوائم الـ 36 الأخيرة، لفازت حماس أيضاً، ولكن بنسبة 36 بالمئة، 19 بالمئة فتح/عباس، البرغوثي/القدوة 9 بالمئة، دحلان 3 بالمئة، مبادرة مصطفى البرغوثي 2 بالمئة، وستجتاز نسبة الحسم (1.5 بالمئة) الشعبية وسلام فياض، وقائمتان أخريان للمستقلين (9 قوائم ناجحة فقط).

صحيح أن المزاج الشعبي بحكم طبيعته، متقلب ويخضع للتغيير والتبديل، بيد أن الصحيح كذلك، أن “مسلسل الفضائح” ما زال يطارد “حصان السلطة الهرم”، حتى بعد أن هدأت المواجهات وصمتت الصواريخ … فالسلطة التي لم تنج بعد، من غضب الشعب على سوء إدارتها للأزمة الأخيرة، ستدخل مباشرة في فضيحة “لقاحات كورونا الإسرائيلية المشرفة على فقدان صلاحيتها”، مع كل ما أثاره هذا الملف، من سوء إدارة وتهم بالفساد، وتضارب في مواقف المسؤولين، وأحاديث عن صراعات محتدمة بين “مراكز قوى” في الحكومة والسلطة وحركة فتح، وباتت المسألة برمتها، عاملاً إضافياً، في تدمير ما تبقى من سمعة ورصيد للسلطة والرئاسة والحكومة، على حد سواء.

وليس بعيداً عن “ملف اللقاحات”، جاءت تصفية الناشط الفلسطيني المعارض نزار بنات، بعد سويعات من اعتقاله من قبل أحد الأجهزة الأمنية، وخضوعه لتعذيب وحشي حتى الموت، لتضيف إلى فشل السلطة، فشلاً جديداً، وإلى عوامل “مواتها” عاملاً إضافياً … ونقول ليس بعيداً عن “ملف اللقاحات” لأن بنات كان من أبرز الذي تصدو لكشف فساد الصفقة مع الجانب الإسرائيلي، فضلاً عن مواقفه النقدية المستقلة والسلمية للسلطة والرئاسة والفريق المتفرّد بصنع القرار والسياسات الفلسطينية.

لقد أثارت تصفية المعارض نزار بنات، ومن قبلها ملف اللقاحات، موجة من التساؤلات إلى جانب أمواج الغضب، تركزت بالأساس حول دور إسرائيل في تشجيع السلطة على فسادها واستبدادها، والنتائج التي يحملها “التنسيق الأمني” بين الجانبين، على مستقبل الحرية والشفافية والديمقراطية في النظام السياسي الفلسطيني … فما معنى أن تقدم إسرائيل لقاحات شبه منتهية الصلاحية، وهي التي امتنعت في البدء، حتى عن تطعيم العمّال الفلسطينيين الذين يأتونها من الضفة الغربية.

وكيف أمكن لدوريات الأمن الفلسطينية، أن تهاجم المنزل الذي كان يقيم فيه نزار بنات، والكائن في المنطقة (ج) وفقاً لتقسيمات أوسلو، الخاضعة أمنيا وإدارياً لإسرائيل، من دون موافقة أو تنسيق إسرائيليين … وفي كلتا الواقعتين، تتكرس صورة السلطة، بوصفها “وكيلاً” للاحتلال، بدل أن تتعزز مكانتها كناطقة باسم شعبها وممثلة له … في كلتا الواقعتين، يتماهى الغضب على السلطة برفض الاحتلال.

وإذا كنّا لا نريد المجازفة، واستباق تطور الأحداث، كأن يقال أن نزار بنات هو “بوعزيزي فلسطين”، إلا أنه من الواضح تماماً، أن السلطة تواجه تحديات مع شعبها، وقدرتها على قيادته وإدارته، قد لا تجعل منها “فرس الرهان” الذي يمكن التعويل عليه، لا على المدى الأبعد: حل الدولتين، ولا على المدى المباشر: إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية وتثبيت التهدئة الهشة.

يعني ذلك، أن إدارة بايدن، مطالبة وهي تعمل على ترجمة سياساتها الفلسطينية – الإسرائيلية، بحفز السلطة والضغط عليها لإجراء إصلاحات جدية وصولاً لإجراء جولة الانتخابات العامة بحلقاتها الثلاث: رئاسية، تشريعية ومجلس وطني، والتفكير بمقاربة جديدة حيال حماس، من نفس طبيعة مقاربتها لحركة طالبان في أفغانستان، كما أن الإدارة مطالبة بالضغط على إسرائيل، للإفراج عن الأسير مروان البرغوثي، الذي يبدو أنه أكثر القيادات الفلسطينية تأهيلاً، لقيادة عملية ترميم وإعادة بناء السلطة  واستحداث التوازن الضروري بين فتح والسلطة من جهة وحماس وحلفائها من جهة ثانية.

قد يعجبك ايضا