لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)

4٬257
الشعب نيوز:-

محمد المشايخ
تـُعبّر الشاعرة لهيب عبد الخالق في هذا الديوان، بصدق وجمال، عن وقع الاغتراب عن العراق، على وجدان كل الذين غادروه، وتضع العالم في كفة، والعراق في كفة أخرى، فترجح كلفة العراق، التي ألهمتها قصائد، تسترجع باسم كل الذين احتضنتهم المنافي، أيام العز، والفخر، والكبرياء، والإباء حين كانوا في بلدهم، وترى أن الحياة في الوطن، رغم ما كان فيه من فقر ومن جوع ومن حصار ومن حروب، أهنأ مليون مرة من الحياة في المنافي رغم ما فيها من ترف ومغريات، فتدق باب الخزان مطالبة بالعودة، ومتمنية أن يتحقق اللقاء من جديد.
وفي ديوانها(ما قالت الريح لليل)، تفتح لهيب عبد الخالق، صفحة شعرية جديدة، تـُـبدع فيها نمطا جديدا من الشعر الذي لم يرد في الشعر العراقي، منذ بدر شاكر السياب وحتى حميد سعيد، على أهميته، فسكبت أحاسيسها شعرا، وملأت الدنيا بقصائدها المليئة بالرموز، فيبدو للقارئ أنه لا علاقة لقصائدها بالسياسة، ولكنها أجادت تسييس الشعر بالخفاء، فلم تذكر أي شخص، يساعد القارئ في كشف من تعني، وكثيرا ما تحدثت بصفتها الفردية، ولكنها في الباطن كانت تنطق باسم الجميع، وعبر انتقالها من الخاص إلى العام، لم تكن تنسى أرض الوطن، ولا الجد والجدة، ولا الأب والأم، ولا كل الأسر العراقية التي ضحت بالمهج والأرواح، حفاظا على حرية واستقلال البلد، ودار الزمان دورته، وقذف بعزيزي القوم إلى المنافي، التي تصدّت لها الشاعرة، لتقنع العالم أن “لا شيء يعدل الوطن”.
وهنا أعتذر للشاعرة إن كان فهمي لشعرها قاصرا، أو مغايرا لما ورائيات قصائدها، ولكنني رأيت في ديوانها امتلاكها لما في اللغة العربية الفصحى من نحو وصرف، وما في البلاغة من مجازات واستعارات وكنايات، وما في الموسيقى من إيقاع ونغم، وما في العواطف من صدق، وما في المضامين والمعاني من رسائل أدبية ملتزمة بهموم الجماهير العربية وبأرقها وبأحزانها بعد الذي جرى منذ العام2003.
ورغم أنها تبدع في مجال الشعر، وتبتعد عن المباشرة، إلا أنها تبث من خلال شعرها حنينها للسرد، من خلال ما سطرته حول شهرزاد، فأضافت لحكاياتها السردية في ألف ليلة وليلة، مقاطع شعرية، يتجدد فيها الخصب والنماء، وتنتصر فيها الحياة على الموت، والعودة للوطن على الاغتراب، مثلما تنتصر للخير على الشر، والأهم من ذلك كله، أنها تستخدم ملكات خيالها المُجنح والمُحلق، لتبدع شعرا واقعيا بامتياز، تتجلى فيه الصور الشعرية البصرية الملونة والمتحركة، واللوحات الشعرية التي تخفي فيما ورائياتها موجات الاشتياق التي تخفيها جوانح شاعرتنا.
وهنا أناشد الشاعرة لهيب عبد الخالق، أن تعذرني ثانية، لأنني لا أمتلك بلاغة، ولا أدوات د.أياد عبد المجيد النقدية التي تبدت في مقدمته للديوان، فقد طغى إبداعها على كل ملكاتي، ووجدت نفسي أمام ما في قصائدها من تشخيص وتجسيد، عاجزا عن الارتقاء إلى مكانتها الشعرية، وليطالع القراء معي، هذه السطور الشعرية، ومراقبة مدى توغلها البلاغي فيما وراء الوضوح والمباشرة، وكأنها تحيل الشعر إلى كنوز بيانية، مُحلقة في أجواء شعرية بكر، لم تطأها أنامل من سبقوها من الشعراء: (في نهر الأمس/ تطوف نذوري/ تمضي في رحلتها الأبدية/ تعلق فوق غصون الليل المبهم/ في لحظة شوق غائمة/ تنثرنا الأزمان، / تبعثرنا،/ أوراقا بين منافي الدهر/ نغادر في صمت/ لا نورس يحملنا/ أو بعض جريد….).
عرفت لهيب عبد الخالق في بغداد في ثمانينات القرن الماضي، ورأيتها صاحبة طاقة إبداعية عظيمة، تستقبل دائما، وبكل ما تملك من عنفوان، كل الذين أوصلتهم الطائرات والحافلات إلى بلاد الرافدين، ترحب بهم، وتملأ الصحافة العراقية بحواراتهم، ولا تفارقهم حتى يعودوا إلى بلادهم سالمين، وبعد أربعين عاما، أطالع لها، شعرا، يُعبر عن تطلعات كل الذين وطأوا ارض العراق، ونهلوا من مائه، وتذوّقوا من جوده وكرمه، مثلما تعبر عن تطلعات كل العراقيين المغتربين، والمنفيين، والمعذبين في الأرض، رغم كل ما هيأته لهم تلك الأرض الغريبة من خيرات، لا تساوي لحظات هداوة البال، التي كانوا ينعمون فيها، حين كانوا يقيمون في بيوتهم الحنونة، وبين أهلهم الكرام.

قد يعجبك ايضا