“العدس المظلوم:والمنسف المدلل؟” بقلم:-عاطف أبوحجر

الشعب نيوز:-

في يومٍ من الأيام، وبينما كانت طنجرة المنسف تتبختر فوق النار، وقف العدس حزينًا في زاوية المطبخ الأردني، يتأمل المشهد بعينين دامعتين…
“ليش ما بتحبوني إلا بالشتا؟!”، صرخ العدس بحرقة.
فجاءه صوت أردني جهوري من الخلف: “يا زلمة، بالشتا بتدفّي، بالصيف بنختنق!”
العدس تنهد وقال: “والمنسف؟!”
فرد الأردني بكل ثقة: “المنسف حالة وطنية، ما إله علاقة بالفصول!”عندما غنت فيروز:
“حبيتك بالصيف، حبيتك بالشتي”
لم تكن تقصد الحبيب البشري،
بل كانت تشير إلى المنسف.
نعم،نحن الأردنيين شعب عاشق للمنسف بلا قيدٍ أو شرط، نأكله في الشتاء والصيف، في الأعراس والجنازات، في الخميس والجمعة وأحيانًا في نص الليل، ولو أتيحت لنا الفرصة لأضفناه كحشوة بالكوسا والمناقيش. أما العدس، هذا المسكين، فمكانه معروف: الشتا وبس، كأنه مشروب موسمي أو نكتة عابرة لا تستحق التكرار.
المشكلة أن العدس أصبح مرادفًا لـ”شوربة العدس” فقط. والكل يعرف المشهد: أم تغلي العدس مع كمون، وتوزع الصحون في ليلة برد قارصة، ثم ننساه حتى الشتاء القادم.
لكن الحقيقة أن العدس نجم مطبخي عالمي ومحلي، يدخل في أكلات شعبية من الطراز الأول مثل:
المجدرة: أكلة الفقراء والأغنياء، تُزينها البصلات المقرمشات وتُؤكل بيدين من العافية.
الكشري: المصريون حولوه لظاهرة قومية، ومكوّنه الأساسي؟ عدس بني!
الرشوف: طبق أردني شتوي، لكنه لا يقل شهية عن المنسف.
فتة العدس بالخبز اليابس: يا جماعة، أليست هذه وجبة غنية، دافئة، وشهية؟ فما الذي يمنعنا من التهام طنجرة منها تحت المكيف صيفًا؟
الناس بتقول: “العدس بيخنق بالصيف”، وكأنهم بياكلوه وهو بيغلي بحرارته الطبيعية!
مع إنه من الممكن تقديمه فاتراً أو بدرجة حرارة الغرفة.
بنحكي “العدس بيعمل غازات!”، ونتناسى شو بيعمل المنسف فينا بعد الصحن الثاني!
العدس غني بالبروتين، بالحديد، بالألياف، وبالذكريات. في الزمن الجميل، كان العدس وجبة يومية للفلاح، و”سند” ومصدر دفء العيلة… واليوم؟ مجرد عابر موسم شتوي.
المنسف أخذ حصانة شعبية، وأصبح مثل “جلالة الطعام”، لا يخضع لقوانين الطقس أو حرارة تموز. لكنه يقدم ساخنًا، مليئًا باللحم والسمن البلدي، ويأكله الأردنيون بكامل العزيمة، فما الفرق؟
العدس كذلك ساخن، شهي، ومفيد أكثر بكثير، فلماذا لا نُعامل العدس مثل المنسف؟
لماذا لا نُقدّم المجدرة في الصيف في المناسبات العائلية؟
لماذا لا نجرب شوربة عدس باردة مع طحينية كما نشرب قهوة الصباح؟ أو سلطة عدس على الطريقة المتوسطية؟
يا أبناء الوطن، يا عشّاق المنسف، يا من حملتم اللقمة بيد ودموع الفخر بالأخرى…
افتحوا قلوبكم للعدس كما فتحتموها للجميد الكركي،والسمن البلقاوي،واللحم البلدي،
كلوا العدس في تموز، في آب، في أيلول، بدون خوف، بدون خجل، بدون تكييف على أعلى درجة.
لعلنا نرتقي غذائيًا، ونُعيد للعدس كرامته، ونكسر هذا الحظر الموسمي غير العادل.
فليس من العدل أن يكون المنسف للجميع في كل حين، ويُحبس العدس في ثلاجة الشتاء!

قد يعجبك ايضا