
الأمان العاطفي بداية شفاء كل طفل
الشعب نيوز:-
بقلم : تحرير ابو صفية
في زحام الحياة اليومية وتحت وطأة الضغوط، ينسى الكثير من الآباء أن أبناءهم لا يتأثرون فقط بما يُقال لهم، بل بما يعيشونه في عمق تفاصيل البيت—في نبرة الصوت، في التوتر غير المُعلن، في الغياب العاطفي . ما لا يدركه البعض أن الطفل لا ينجو ببساطة من بيئة مضطربة، بل يتشكل دماغه داخلها بشكل مختلف، يتبرمج على البقاء بدل النمو، على الحذر بدل الطمأنينة.
بحسب دراسة نُشرت في مجلة Nature Reviews Neuroscience (Lupien et al., 2009)، فإن التوتر المزمن في مرحلة الطفولة يؤدي إلى تقلص حجم منطقة في الدماغ تُدعى “الهيبوكامبس”، وهي مسؤولة عن الذاكرة والتعلّم وتنظيم المشاعر. هذا يعني أن الطفل الذي ينشأ في بيت يغيب فيه الأمان العاطفي—سواء كان بيتًا مليئًا بالصراخ والمشاكل أو حتى صامتًا بلا حياة—قد يتأثر في قدراته الذهنية والسلوكية بشكل عميق، طويل الأمد.
الطفل لا يمتلك أدوات للكلام عن ألمه، لكنه يُظهره بطرق مختلفة: ضعف في التركيز، مشاكل في التواصل، نوبات غضب، أو انسحاب تام. وغالبًا ما يُساء فهم هذه التصرفات على أنها “سلوك سيئ”، بينما هي في حقيقتها رسائل من جهاز عصبي منهك، يطلب النجدة.
في لحظة ما، قد يحمل طفلك عبء مشاعرك وأنت الكبير، دون أن يملك النضج لفهمها أو التعامل معها. حين لا تشفي جراحك، قد ترثها أجيال من بعدك دون ذنب منهم.
لكن لا شيء ضائع. لا يطلب منك الكمال، بل الوعي. لا يطلب منك أن تكون أبًا خارقًا أو أمًا مثالية، بل أن تكون حاضرًا، هادئًا، محبًا. فوجود شخص بالغ متزن حول الطفل يمكنه أن يغير شكل دماغه حرفيًا. البيت الذي يسوده السلام الداخلي أكثر تأثيرًا من أرقى المدارس وأغلى الدروس.
كل ما تحتاجه أحيانًا هو أن تبدأ بشفاء نفسك، أن تكسر القالب الذي يتكرر عبر الأجيال، أن تختار أن تكون ذلك الملاذ الآمن الذي كنت تفتقده في طفولتك، لأجل أولادك.
فكل ما يحتاجه الطفل في النهاية هو أن يشعر بالأمان.